B العبور لوحدنا نمشي بسرعة معا نذهب لأبعد مدى - جريدة الوطن العربي
الرئيسية » مقالات » العبور لوحدنا نمشي بسرعة معا نذهب لأبعد مدى
https://cairoict.com/trade-visitor-registration/

العبور لوحدنا نمشي بسرعة معا نذهب لأبعد مدى

رحلن جميعا خلفن خلفهن الفقد لهن و شتاء الأطلس يقرص حواسي ويفتك بها كما لم يفعل بي منذ قرابة سبع سنوات أجبرتني الهجرة على عيشها في مناخ إستوائي صيفي لا يتبدل بختام الدورة الثانية للمنتدى الأول للسيدات الصحفيات بإفريقيا المنعقد بالدار البيضاء – المغرب برعاية القناة الثانية المغربية وبمغادرة الصحفيات والإعلاميات من مختلف الدول الإفريقية الذي أنعقد ما بين فترتي 24 -27 أكتوبر شعرت أني بحاجة لأن ألازم الدار البيضاء ولو لأيام لأجوب شوارعها ولأستقبل مع الشعب المغربي مواقيت الشتاء ببرده ولأتفرس في ملامح المغاربة الطيبة وانصت لقصص العابرين على مضض أحب ثرثرة الشعوب الصادقة عندما يفرشون أسرارهم لك أنت الغريب وكأنك واحد منهم وأحب الصدق الذي يعتري السرد منذ أول اللقاءات ربما مرد ذلك أننا متأكدين أننا لن نلتقي لهذا تكون كل الأحاديث مغسولة بماء المطر مجرد ثرثرة على هامش الصدق .. دائما حكايا الشعوب المسربة تتفق في الهموم وتتحد في سرد الصعوبات ودائما ما يصاحبها الإبتسامة ربما لأنهم يريدونك أن تعود وربما لأننا أعتدنا أن نروي قصص الحياة الشاقة ونحن نبتسم .
وتظل همومنا تلك ليست بهموم حقيقية وتظل كل قصص الحزن نقطة في بحر قصص الموت والنجاة والهروب وتظل الأوطان مهما أستبدت بنا نعيم أمام جحيم الهجرة والمجهول ،و ما بين زيارتي للمغرب في سنة 2009 وزيارتي لها مؤخرا آواخر 2018 لاحظت إن المغرب قد تغير شهد تطور غير مسبوق في جل المستويات والاصعدة ولولا معالمها ومدنها القديمة لشككت أنك تزور بلد آخر راق لي هذا التطور و أعجبني النهوض وما شدني بادرة المغرب في إحتواء المهجرين الإفارقة فدمجتهم داخل المجتمع ووفرت لهم كل السبل لحياة كريمة حتى أنك إذ ما رأيت الأفريقي يسير في الشارع لولا ملامحه وسواد بشرته ما ميزته عن بقية أهل المغرب فهو يحمل عنفوان القاطن لا المهاجر وراحة المقيم دائما لا العابر أو الهارب .. ليسو مجبرين للسرقة ولا الإتجار في المخدرات ولا تعاطيها ولا العمل في الإنشطة المشبوهة غير قانونية بل يتجولون يجوبون الشوراع يدرسون في الجامعات يعملون في المحالات والحرف المختلفة و يفرشون بضائعهم في الأسواق رجالا نساء ستبتسم وأنت تستمع لهم بلهجة مغربية ركيكة ينادنوك ” إيجي إيجي ” في سوق باب مراكش القديم ليروجوا لك سلعهم ولا أحد يضايقهم ولا أحد يعايرهم بلونهم ولا أحد يشتمهم لأنهم ليسوا من سكان البلد فالإنسانية تتجلي في أروع صورها في مشاهد عدة لا يمكن حصرها في التعامل مع المهجرين في المغرب حقيقة رأيتها ولم يرويها لي أحد مع هذا كان الفضول ينهش حواسي فحاولت إستغلال فرصة وجودي لأسأل عن قرب عن رأي السكان المحليين فساقني الحديث مع سائق الأجرة أحمد للحديث عن الوافدين الكثر و الجدد للمغرب وسألته ما إذ كان منزعج ..؟
فأجابني : كلنا بشر لا يهمني لونه ” أنا مانيش بعنصري ” بل أنا متعاطف معهم و لا أغشهم حتى في حساب الأجرة ثم إنهم جميعهم يريدون الرحيل والهجرة ينتظرون إن يعبروا الضفة الأخرى .

رأي أحمد لم يختلف عن رأي الكثيرين وبعضهم ايضا يحلمون بالهجرة ويرون إن المستقبل مرتبط بوجودهم في تلك الضفة الأخرى القارة الأوربية حيث ترقد الجنة هناك باسطة ذراعيها لكل الحالمين الآفارقة بمختلف عرقياتهم وألوانهم وثقافاتهم هنا يحضرني صوت لاري ماكوري ذاك الشاب المتحمس الواعد من نيجريا عندما سألته عن تجربة الهجرة فقال لي ما يهم : أني اشعر بكوني انسان .. صادف إن تشاطرنا ذات المقاعد في الحافلة عند العودة لمدينة الرباط في اليوم الثاني لوصولنا المغرب كان الحوار في البدء عبارة عن تعارف ولكن عندما توسع الحوار شعرت بالأسف بل وتأسفت له حقاً فقصة لاري لا تختلف عن قصتي كثيرا فنحن نتشابه في كوننا ضحايا الحروب والسياسة والنزاعات القبلية الأمر الذي جعله هو يهاجر لأقرب نقطة آمنة أفريقية ليبيا في حين أني هاجرت لدولة أفريقية أخرى أوغندا غير إن لاري كاد ليقتل في ليبيا عندما أندلعت الحرب سنة 2011 ووجد نفسه رهينة ما بين سطوة المليشيات و كذبة المرتزقة فهرب دون رجوع بعد ست سنوات عاشها في ليبيا خشية الموت لا لشيء إلا لكوني أفريقي مهاجر يبحث عن منطقة سلام ظنها ليبيا اليوم يعيش لاري في ألمانيا أسس شبكة راديو اللاجئين لينقل هموم اللاجئين فحكاية لاري لها نسخ مطابقة تصلح لأن تكون هماً عالميا عندما تكون الإنسانية مبدأ لا خيار يحضر ويغيب وفق المصالح والرغبات والأهواء ..
ومن ضمن الصحفيات المتواجدات من آسرتني بصلابتها الإعلامية والمخرجة ميرون ايستيفونس من إرتيريا هي الأخرى فرت من الظروف الصعبة وحط بها ركام المركب قبالة شواطيء لامبيدوزا ليستقر بها الحال بعد معاناة في السويد لتبدأ من هناك رحلة النجاح وتصبح من أهم المخرجات الإفريقيات للأفلام الوثائقية فأنكسرت كل التجارب الفاشلة أمام طموحها وزالت كل العقبات أمام نجاحها وأصبحت شخصية مرموقة حكيمة وناجحة .. لم تكن أوربا هي التي صنعت ميرون ولكن سبل الراحة والأمن والسلام هي التي تجعل الإنسان يبدع وينجح وربما هذا ما نفتقده اليوم في قارتنا الإفريقية ولا سيما في أوطاننا ..
فنحن نهاجر عندما تصبح الأوطان طاردة لنا قاتلة لأحلامنا تنتهك حرماتنا وتحرمنا من حقوقنا نهاجر عندما نخاف وعندما نجوع وعندما لا نستطيع أن ننام دون إن يرف لنا جفن الخوف ، نهاجر عندما تصبح كل الظروف قاهرة لنا وعندما يستفرد بالوطن اللصوص و المجرمين وعندما يعلو صوت السلاح على صوت القانون ويصبح الباطل حق والحق باطل نهاجر عندما تحبس أصواتنا في جوف حناجرنا وتصبح الحروف والكلمات إذ ما خرجت نقمة ولعنة وربما تهمة وقد نهاجر لأننا نعتقد إن أوطاننا ليست مكان يصلح لتحقيق أحلامنا وطموحاتنا حتى الصغيرة كثيرة هي أسباب الهجرة وكثيرة هي الحكايا والقصص التي وراء كل هجرة ولكن يظل الهم واحد إننا عندما نريد العبور فأننا حتما نهرب مما هو أبشع من الموت إلى حد تتساوي فيه الحياة مع الموت وتصبح فرصة النجاة وإن كانت 1 % أفضل من حياة تشبه الموت الإكلينكي حبسين داخل أوطاننا غرباء دون أن نغترب ولا شيء يشدنا للوطن وهو يطردنا عندما يتوفر فيه كل ما ذكرته أعلاه .
أذكر أني عندما خرجت من ليبيا عبر الصحراء الليبية التونسية في المنطقة الحدودية تأخر علينا المهربون الذين سيتلمون شحنتهم والتي هي ” أنا ” حينها قال لي أحد المرافقين لنعد لنبيت في” رقدالين ” منطقة حدودية ليبية ثم نرتب ونعود غدا .. فقلت له أفضل سجن تونس على سجون المليشيات الليبية ففي سجن تونس بعض من الكرامة وربما الإنسانية التي لم أجدها داخل سجون ليبية يقف على عتبات حراستها أبناء وطني وأبناء شعبي .. هل رأيتم أحيانا نهاجر لنعيش بكرامة ..وقد نهاجر عندما تكون الإنسانية مطلبنا السامي في الحياة .
فمتي يأتي ذاك الوقت الذي نحترم فيه أسباب الآخرين وهم يحاولون العبور والنجاة ونحترم آدميتهم ونحترم قصصهم ونقدس كل معاناة إنسانية فلا شيء أغلى من الأوطان والإنسان مهما أبتعد يحن لتراب وطنه ويشتاق لأدق وأصغر التفاصيل ولكن عندما نرى الهموم تتفاقم ولا شيء يمكن إصلاحه ويصبح التغيير متعسرا والتغير مستحيلا حينها سيكون الهروب قرارا ونصبح نحن مجرد أرقام وأحصائيات في سجلات الدول والمنظمات مجرد حمل بشري لابد من مراعاته بمعايير إنسانية تتوافق مع القواعد الغربية ثقل إنساني يحلم فقط بالعيش دون منغصات دون ألم وليكن برد المنفى مسكنا لكل إحزانه ..
لكن …
ماذا لو أننا كنا لبعضنا سند ماذا لو أستطعنا أن نغير ونتغير وأن نكون نحن المهجرين طاقة حيوية للنهوض بالقارة الإفريقية كفانا غربة وكفانا إغتراب وكفانا عراقيل نضعها أمام بعضنا نسهل أجراءات دخول الأجنبي ليحتل دولنا إحتلال ناعم ونتركه يكرر سراقاته عبر قرون وينهب دولنا ويستفرد بقوتنا ويتحكم في نفطنا ومعادننا ونحن أقصى طموحاتنا إن نهاجر أن نشق المتوسط لنعبر وقد يبتلعنا اليم قبل أن نصل وقد نكون عرضة لسماسرة البشر من يتعاملون مع المحبطين كسلع تصدر ويمكن أن تغرق وتضيع نداءات الإستغاثة مع أصوات الرياح ولا تلتقط إشارة نفس آخر روح غرقت ..

أما آن الأوان لنكون شعوب قادرة على تغيير مسارها والنهوض بنفسها و أوطانها في الواقع إن الحراك الذي شهدته الدار البيضاء مؤخرا في لملمة السيدات الصحفيات وبعد اللقاءات وورش العمل شعرت أنا شخصيا أني متفائلة كون القارة زاخرة بمثل هؤلاء السيدات الخلاقات في العمل الصحفي والإعلامي وإنهن متي أتحدن قدارات على نشر الوعي وتذويب كل العوائق التي تحول دون هجرتنا وتبديلها بأسباب تساعد على تواصلنا وترابطنا لنسعى للتنمية والإزدهار والنهوض بقارتنا الإفريقية فمتى أتحدت الإرادة ومتى كان هناك عمل منظم غايته إنسانية حتما سنكون قادرين على فعل شيء حقيقي سنصلح به أوطاننا وسنزيل كل العثرات التي تحول دون تواصلنا وسنكون جميعا لبعضنا داعمين لقاء الدار البيضاء الإنساني في طرحه يذكرني بحلم الزعيم معمر القذافي الذي كان يحلم بقارة واحدة تتمزج فيها الشعوب نتقاسم الخيرات والثروات النفط الغداء الماء والذي لأجل هذا الحلم الذي لم يستوعبه كثيرون وحاربه آخرون تم محاربة الزعيم القذافي ولا شيء أجمل من التذكير بقوله إفريقيا للإفريقين ..
ربما أني أنزعجت إن كل أصابع الإتهام كانت موجهة صوب ليبيا في موضوع الهجرة وتعقيداتها سواء على صعيد التصريحات المسؤولة خارجيا أو على صعيد مداخلات بعض الحاضرين والحاضرات ولكني كممثلة لليبيا تداركت ذلك ونبهت لخطورة الوضع الليبي فليبيا حتى للحالمين لم تعد منطقة عبور آمنة وهي غير قادرة على حماية أبنائها فليبيا ذاك الوطن الجميل قلب أفريقيا النابض أصبح التطرف يغتال أبنائها وأصبحت الحرب تأكل أولادها ولم تعد ليبيا البوابة الحصينة لأفريقيا منذ أن قصفت قوات حلف الناتو مدنها ومنذ أن حطت البوارج قبالة شواطئها ليبيا التي كانت تحتضن المهجرين الآفارقة يأكلون من ثمارها ويشربون من مائها وينعمون من خيراتها وتغذق على القارة بكرمها و بمشاريعها العملاقة في إفريقيا أضحت اليوم مستباحة غنيمة لسماسرة الحروب وتجار البشر وكما يوجه البعض اللوم على ليبيا كوطن وبلد أفريقي عليهم اليوم مسؤولية كبيرة تقع على عاتقهم وهي استقرار ليبيا وعودة الأمن والآمان ومن كان يشاهد المشهد بعين المتفرج في سنة 2011 عليه أن يعلم إنه اليوم بحلول هذه الكارثة دون تدخل إنساني أصبح جزء من مشهد قاري قاتم سيعم ظلامه على الجميع ..
مع كل ما ذكرت سعدت لكوني حظيت بشرف لقاء ماجدات إفريقيا من مختلف الدول تنزانيا روندا جنوب السودان وشمالها مصر الجزائر اوغندا النيجر نيجريا سينغال سيشل جزر القمر موريتانيا تونس المغرب مالي … إلخ كل اللواتي مثلن دولهن ومثلن القارة كن رائعات قويات صامدات ينطبق عليهن في تلاحمهن المثل الإفريقي الذي كان شعار للدورة الثانية للمنتدي الأول للسيدات الصحفيات بأفريقيا المنعقد ما بين 24 – 27 في الدار البيضاء ..

” لوحدنا نمشي بسرعة ، معاً نذهب إلى أبعد مدى ”
les panafricaines

هالة المصراتي

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إبراهيم أحمد.. يكتب / مصري وافتخر

بقلم / الكاتب الصحفي : إبراهيم أحمد حينما كنت واقفا في فناء المدرسة وانا طفل ...