يعيش العالم في وقتنا الراهن على وقع سباق محموم لإنقاذ البشرية من وباء كورونا الذي يحصد مئات الأرواح يوميا، فقد اتحدت جهود كل دول العالم للقضاء على هذا الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة لمنع انتشاره بين الناس وإنقاذ حياتهم.
المقال لا يتحدث عن مخاطر الوباء ولا عن طرق الحد من انتشاره، فالجهود كثيرة والنتائج تبشر بالخير خاصة في الدول التي يلتزم المواطنون والمقيمون فيها بتعليمات وقوانين من أجل الحد من انتشار الفايروس المرعب.
وفي مقابل النظرة الإيجابية لتلك الجهود في القضاء على كورونا في الواقع المعاش، إلا أن بعض بقاع العالم الافتراضي على منصات التواصل الاجتماعي “يغرد خارج السرب” العالمي بطريقة قد تنسف جهود الدول وتقضي على حياة البشر إن نجحت في فكرها الخبيث، ففي الوقت الذي تدعو فيه دول العالم مواطنيها بضرورة الالتزام بالقوانين والبقاء في المنازل وعدم الخروج منها، بدأت فلول جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في جمهورية مصر العربية وبعض الدول التي فروا إليها بالخروج من جحورها وتحريك ذبابها الإلكتروني لدعوة الناس وتحريضهم على ضرورة “التحالف مع كورونا” ونشره قدر المستطاع على طريقة “الذئاب المنفردة” بين أفراد المجتمع خاصة الذين يعملون في أجهزة الدولة المصرية.
ومما لا شك فيه أن دعوات الإخوان التدميرية ليست بالشيء الجديد فهي عقيدتهم ونهجهم في الحياة، حيث إنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان في سبيل تنفيذ أجندتهم التي أصبحت جزءاً من التاريخ بعد أن كشفهم المجتمع على حقيقتهم.
دراسات “مركز تريندز” تفضح العقلية الانتهازية للإخوان:
وبالتزامن مع انتشار دعوات الإخوان التخريبية في هذه الظروف العصيبة التي يتضامن المجتمع الدولي مع بعض، قرأت دراسات حديثة أعدها مركز “تريندز” للبحوث والاستشارات في العاصمة الإماراتية أبوظبي حول جماعة الإخوان الإرهابية، والتي حملت بعضاً من طريقة تفكيرهم وطريقة عملهم في استغلال المواقف لصالحهم وإن دمرت المجتمع والدولة وأجد أنه من المناسب عرض أبرز ما جاء في هذه الدراسات للقراء في محاولة للتنبيه من جديد على خطورة هذه الجماعة الإرهابية التي تكاد أن تكون أخطر من أي وباء في العالم.
وللإنصاف أن هذه الدراسات بما جاء تحمل من نتائج وتفسيرات المبنية على التحليل إنما تدلل على الجهد الكبير الذي يقوم به مركز “تريندز”، في مجال البحث العلمي والدراسات المتخصصة التي تختلف عما سبقها من تناولات في هذا الشأن، كونها تعتمد على المراجع الإخوانية وتقارنها ببعض الأفكار والأيديولوجيات السياسية.
فتحت عنوان (جماعة الإخوان المسلمين.. ظروف النشأة والتأسيس) تناول مركز “تريندز” بالبحث والرصد والتحليل العميق مختلف المقاربات في معالجة موضوع الجماعة في الكتابات الأكاديمية، والسياقات التي تحكمت في نشأتها وتأسيسها في مصر ثم أصولها الفكرية – التراثية والحديثة والسمات الشخصية لأبرز قياداتها، وتبيان أثر المتغيرات بمستوياتها المتعددة في تشكيل الجماعة.
الدراسة تتألف من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة، وتكمن أهميتها في تبيين ونزع الستار عن الطرق التي تتخذها في إقناع فئات واسعة من المجتمعات العربية الإسلامية بأفكارها وأيديولوجيتها والوسائل التي تستخدمها للتغلغل في النسيج الاجتماعي لتلك المجتمعات، وطرق تجنيدها وتعبئتها للفئات الاجتماعية المختلفة لخدمة مشروعها السياسي. وفضلاً عن هذا ترمي هذه الدراسة إلى تتبع الطرق التي تنسج بها شبكاتها العالمية والتغلغل في المجتمعات غير الإسلامية.
وتحاول هذه الدراسة الإجابة على سؤالين أساسيين، هما ما هي الأسباب والإرهاصات والحيثيات التي أدت إلى ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر على وجه الخصوص؟، وما أسباب نشأتها في ذلك الوقت تحديداً؟
وتضم هذه الدراسة وصفاً وتحليلاً للعوامل البنيوية المشتملة على العناصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجيوسياسية التي ظهرت في سياقها جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن المنطلقات والقواعد الفكرية والأيديولوجية للجماعة إضافة إلى عرضها وتحليلها لأبرز منطلقاتهم الفكرية، وتتبع المتغيرات الفكرية والسياسية والحركية التي أسهمت باتجاه ظهورهم كحركة سياسية خلال الثلث الأول من القرن العشرين.
وتستنتج هذه الدراسة بأن جماعة الإخوان المسلمين ظهرت ونشأت في ظروف خاصة من تاريخ مصر والمنطقة الإسلامية، تميزت بهيمنة أجنبية بريطانية تحديداً على مصر والمنطقة العربية الإسلامية، حيث شهدت تداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية، شكّلت فيما بعد أرضية لظهور حركات سياسية واجتماعية ذات توجهات متنوعة، ومن بينها توجهات الإسلام السياسي، التي مهدت لولادة جماعة الإخوان المسلمين.
ولعل أزمة وباء كورونا في وقنا الراهن، خير دليل على ما توصلت إليه الدراسة حيث خلصت إلى أن جماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي بوجه عام، تستغل أي أوضاع اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية في التمدد والانتشار في المجتمع، وتوظفها بما يخدم مشروعها السياسي بالأساس، الذي يستهدف الوصول إلى السلطة، حتى لو كان ذلك على حساب الدولة الوطنية، وتدمير مقوماتها الرئيسية.
كورونا ومنطق تنظيم “الإخوان”: الجماعة أولاً
أما الدراسة الثانية والتي صدرت أيضاً عن مركز “تريندز للبحوث والاستشارات” ضمن سلسلة من الإصدارات عن حركات الإسلام السياسي، فقد جاءت بعنوان “الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين: السمات.. الأهداف.. المستقبل”، وهي تبرز الأهمية المركزية للبناء التنظيمي بالنسبة للجماعة، باعتباره الأداة الرئيسية في ترجمة أفكار الجماعة ومبادئها على أرض الواقع من ناحية، وتنفيذ مشروعها السياسي في الوصول إلى السلطة والتمكين في المجتمع من ناحية ثانية.
وتتناول الدراسة تطور الهيكل التنظيمي والإداري لجماعة الإخوان المسلمين من منظور شامل، يأخذ في الاعتبار السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي نشأت فيه الجماعة، وكيف انعكس ذلك في وحداته الإدارية، كما تتطرق الدراسة إلى السمات العامة لهذا الهيكل سواء في ما يتعلق بالمركزية أو الشخصنة في عملية صنع القرار أو في ما يتعلق بسيطرة النزعة العسكرية وهيمنة الإيديولوجيا وغياب الطابع الديمقراطي.
وتتبع الدراسة أهم مراحل تطور الهيكل التنظيمي والإداري منذ نشأة الجماعة عام 1928 حتى ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013، مع توضيح سمات كل مرحلة، وكيف جاءت تجسيداً لطبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومات المصرية المتعاقبة، كما تحلل الدراسة طبيعة دور المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين والهيئات التنظيمية المرتبطة به مباشرة، وكيف أسهمت السمات الخاصة لكل مرشد في تطور بناء الجماعة التنظيمي والإداري.
ثم تنتقل الدراسة إلى مستوى آخر من التراتبية التنظيمية، يتمثل في المكاتب الإدارية للجماعة وتقسيماتها المختلفة بدءاً من المنطقة ثم الشعبة ومن بعدها الأسرة، والكيفية التي يتم بموجبها التواصل بين هذه الأطر، وتحليل طبيعة الدور الذي تقوم به في تنظيم عمليات الحشد والتجنيد والدعم والتعبئة العامة للجماعة خاصة في أوقات الانتخابات.
وتؤكد الدراسة أن جماعة الإخوان المسلمين اعتمدت على الوحدات التنظيمية، من مكاتب ولجان وأقسام، لترسيخ تغلغلها في المجتمع من خلال إيلاء المسألة الاجتماعية أولوية خاصة توفر لها ظهيراً مجتمعياً قابلاً للتوظيف في دعم مشروعها السياسي على غرار ما حدث في الانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر بعد أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011.
وتوصلت الدراسة إلى أنه في الوقت الذي يبدو الهيكل التنظيمي والإداري متسماً بالطابع المؤسساتي، فإن طريقة تسيير شؤون الجماعة تنحو إلى الفردية والشخصية، وهيمنة المرشد والقيادات العليا على عملية صنع القرار؛ فعلى سبيل المثال، فإن مجلس الشورى برغم أنه يأتي في موقع متقدم بالنسبة إلى البناء التنظيمي والهرمي لجماعة الإخوان المسلمين، ويتمتع بصلاحيات كبيرة، فإن هذه الصلاحيات تظل مقيدة وتخضع للمرشد العام، وهذا يعني أن هذا المجلس ليس سوى واجهة أو شكل يستهدف تحسين صورة الجماعة لدى الغرب وإعطاء الانطباع بأنها تؤمن بالديمقراطية الحديثة.
تكمن أهمية دراسات “تريندز” الحديثة في أنها صدرت بوقت تحقق فيه الجهود الدولية في محاربة التطرف والقضاء على جماعاته نجاحات مبهرة، وبالتزامن مع جهود العالم للقضاء على وباء كورونا، لذلك فهي تشكل مرجعية لا غنى عنها للمعنيين بدراسة حركات الإسلام السياسي، وإضافة معرفية نوعية للمكتبة العربية.
مركز “تريندز” في سطور:
وتجدر الإشارة إلى أن مركز “تريندز” للبحوث والاستشارات تأسس عام 2014 في العاصمة الإماراتية أبوظبي وهو مؤسسة بحثية فكرية مستقلة، تعنى برصد القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والمعرفية في المنطقة العربية والعالم، ويديرها الدكتور محمد عبدالله العلي، الباحث والكاتب الإماراتي المتخصص في القضايا السياسية والاستراتيجية الإقليمية والدولية، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في علم الجريمة من جامعة مؤتة الأردنية، وماجستير الآداب في الدبلوماسية من الجامعة الأمريكية في الإمارات، وبكالوريوس في الإعلام – قسم الإذاعة والتليفزيون من جامعة الإمارات.