لا يزال شبح “الروتين” يطارد العديد من المستثمرين، ويجثم على أحلامهم محولا إياها إلى سراب، لكن حلقة التعنت الحكومي الجديدة بدأت هذه المرة مع موظفي وزارة البيئة، إذ كثرت شكاوى المستثمرين من طلبات الحصول على الموافقات البيئية اللازمة، ولعل أهمها القضية المعروفة إعلاميا بـ”استكمال بحر مويس”، والتي يتوه فيها المستثمر نتيجة عدم كفاءة بعض الموظفين المنوط بهم النظر في الدراسات البيئية للمشروعات الاستثمارية.
ونظرا لتعالي صراخ المستثمرين من ممارسات موظفي وزارة البيئة، كان لابد للاستماع إلى أصواتهم ونقل أنينهم إلى المسؤولين، من أجل تحريك المياه الراكدة في مسألة “استكمالات دراسات تقييم الأثر البيئي” أو ما يعرف إعلاميا باسم “بحر مويس”، وإزالة أي عقبات أمام خطوات الدولة نحو إطلاق المزيد من المشروعات الاستثمارية.
يقول “حمدي عبدالرحيم”، مسؤول بإحدى المنشآت الاستثمارية تحت الإنشاء، والذي عبر عن استيائه من سطحية البيانات المطلوبة وقلة خبرة بعض مراجعي الدراسات بجهاز شؤون البيئة، الأمر الذي تسبب في تعطيل مشروعه.
ويوضح أنهم قدموا دراسة بيئية يوم ٢١ سبتمبر 2020 إلى جهاز شؤون البيئة من خلال الهيئة العامة للتنمية الصناعية طبقا لنص القانون، ولرغبتهم في الحصول على موافقة بيئية للبدء في المشروع بالمنطقة الصناعية بمدينة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية.
وأضاف أن الهيئة العامة للتنمية الصناعية قامت بتاريخ 29 سبتمبر الماضي بتسليم الدراسة لجهاز شؤون البيئة، ومر على تسلمها أكثر من 30 يوما، وتابع: “قمنا بمخاطبة جهاز شؤون البيئة اليوم الرابع والثلاثين على استلام الجهاز للدراسة، لسرعة إصدار الموافقة البيئية اللازمة بعد مخالفة القانون الذي يلزمهم بالرد خلال 30 يوما إما بالموافقة أو الرفض أو طلب استيفاء بيانات أو استكمالات والشرط في هذه الاستكمالات أن تكون لازمة لإبداء الرأي في الدراسة، وفي حال عدم الرد خلال 30 يوما يعد ذلك موافقة على المششروع ويجب على الجهاز إصدار الموافقة البيئي، كما خالف جهاز شئون البيئة البروتوكول الموقع مع الهيئة العامة للتنمية الصناعية بتجاوزه مدة ٢٠ يوم!!”.
المفاجأة التي فجرها هي أنه “بعد انتهاء المدة القانونية قام جهاز الشؤون البيئية بالرد وطلب استكمال الدراسة بعد تجاوز مدة 30 يوما التي نص عليها القانون والعشرين يوما المنصوص عليها ببروتوكول الجهاز وهيئة التنمية الصناعية”.
وتندر مسؤول المنشأة من الاستكمالات المطلوبة التي أرفقها موظفو جهاز شؤون البيئة بـ 3 علامات استفهام، فائلا: ” تمثل علامة فارقة في تاريخ جهاز شئون البيئه فبغض النظر عن لغة الاستخفاف الا ان هذه الطلبات لا تخرج عن ثلاث تصنيفات، الأول إما طلبات ذكرت في الدراسه بوضوح وبالتالي لا يمكن طلبها مرة أخرى او بيانات لا تسأل عنها الشركة وإنما تطلب من الجهة الإدارية، ثانيا: طلبات غير احترافيه وتفتقر إلى أدنى درجات المهنية المطلوبة هذا بالإضافة إلى الأسلوب الذي كتب به هذا الاستكمال، والذي يوحي لقارئه بأن كاتب هذا الاستكمال وكل من وضع إمضاءه عليه لا يتمتع بخبرة كافية لمراجعة دراسات تقييم الأثر البيئي”.
وبيّن مسؤول المنشأة أن أول بند من الاستكمال كان طلب خريطة معتمدة للمشروع توضح موقع المشروع وطبيعة الأنشطة المحيطة لموقع النشاط واتجاه الريح بالمنطقة، مستكملا: “ووفقا لنص المادة …. من قانون البيئة تقدم الجهة الإدارية هذه الخرائط وليس الشركة مقدمة الدراسة.
وتابع: “أحد الطلبات الأخرى كان مخططا عاما للمكونات الرئيسية للمشروع والخطوط الخمسة مع توضيح توزيع المعدات والخزانات والقوى المحركة المستخدمة في العمليات الإنتاجية بالحصان مع شرح تفصيلي لمراحل العملية الصناعية والطاق ة الإنتاجية الثانوية للمنتجات، ومواصفات تفصيلية للفرن والمعدات والخزانات والفلاتر وكمية الشحنة واتزان الهواء والطاق ة الإنتاجية”.
ورد على ذلك قائلا: “احتوت الدراسة المقدمة في صفحة 15 على رسم كروكي للمخطط العام للمشروع فضلا عن بيان المعدات وبيانات الطاقة الاستيعابية وغيرها من المطلوب بالاستكمال، وهو ما يدل على عدم قراءة الباحث للدراسة على الإطلاق وإنما قام بطلب بيانات موجودة بالفعل في الدراسة”.
وأشار إلى أن “الاستكمال فيه بند يعد في حد ذاته سقطة إدارية وفنية وقانونية بمعنى الكلمة، إضافة إلى بنود أخرى توضح لنا عدم فهم الباحث لطبيعة المشروع، وأخرى تبين لنا عدم قراءته لدراسة المشروع وكذلك مرؤوسيه ومديريه”.
وأمسك المسؤول بالاستكمال وقرأ نص أحد بنوده: “لم يتم إعداد دراسة للمنطقة ؟؟؟ بين قياسات المداخن وما هي الأجهزة المستخدمة في الرصد والجهة القائمة بالرصد وموافاتنا بنتائج تحليل الزيت الحيوي الناتج من عمليه التحليل الحراري من مخلفات البلاستيك والكاوتش حديثة ليست من سنة 2013 وكذلك نتائج تحليل الفحم الكربوني”
ويرد قائلا: “أما هذا البلد فهو يلخص كيف وصل الحال الإدارة المركزية لتقييم الأثر البيئي وكيف يعامل المستثمر وكيف تعرقل الاستثمارات، ففيما يخص التحليل يتم شراء المعدات بناء على تحليل لمواصفات منتجات العملية بالنسب الخاصة بها، لذا فالتحقيق المرفق تم الحصول عليه من الشركة المصنعة ضمن المواصفات الفنية للخط، وبالتالي فتاريخ التحليل ليس محل نقاش، وبغض النظر عن كل قلة خبرة الباحث ومدرائه
فهل يعقل أن نصدر ورقة رسمية من الدولة إلى أي جهة تحتوي على 3 علامات استفهام، فهذا قطعا أسلوب غير احترافي ويفتقر لأدنى درجات التحضر والرقي، هذا فضلا عن أن النشاط سيقام في منطقة صناعية فمن يسأل عن دراسة المنطقة الدهة الإدارية وليست الشركة صاحبة المشروع.
كما أنه ويا للأسف يدل طلب الباحث لقياسات المداخن عن جهله بأساسيات ومبادئ تقييم الأثر البيئي، ذلك التقييم الذي يقدم قبل البدء في المشروع، فهل يعقل أن يطالب صاحب المشروع لقياسات لشيء غير موجود”، وتندر: “نكتفي هنا بعلامة استفهام حفاظا على الرقي والاحترافية في المخاطبة”.
واستدرك: “لكن يبقى السؤال فلنفترض أن هذا الباحث عديم الخبرة، فكيف قام مديره العام بالإمضاء على هذا الاستكمال المليئ بالأخطاء الفادحة، وإذا افترضنا أنه لا خبره له هو أيضا فكيف اعتمدت رئيسة الإدارة المركزية هذا الاستكمال وقامت بالإمضاء عليه؟ وأين المسؤولين بجهاز شؤون البيئو وأين المسؤولين بوزارة البيئة”.
واختتم مسؤول المنشأة موجها كلامه إلى المسؤولين قائلا: “أتمنى من وزارة البيئة وجهاز شئون البيئة رفع كفاءة الباحثين والمدراء ومدراء العموم ورؤساء الإدارة المركزية ليكونوا على مستوى يؤهلهم لمراجعه المراسلات والدراسات المقدمة على النحو الذي يسمح لهم بتقييم المشروعات وإجازة ما هو متوافق مع البيئة ورفض ما لا يتواءم مع الاشتراطات والمعايير المنصوص عليها، وإلا فستكون كافة المشروعات في مصر معرضه للتدمير سواء لأهواء شخصية أو خبرات هزيلة أو ممارسات غير قانونية تستحق أكثر من ثلاث علامات استفهام”.