كتب إبراهيم أحمد
لقد كان النزاع حول ناغورني قره باغ ساخنا تارة وباردا تارة أخرة منذ وقف إطلاق النار في عام 1994، وهو واحد من عدة “صراعات مجمدة” تفسد عالم ما بعد السوفيتي. ومع ذلك فإن الاشتباكات التي اندلعت مؤخرا بين أذربيجان وأرمينيا تشكل ذروة جديدة في الخطابة ومؤشرات النوايا.
وقد أثارت دائرة الصدامات عبر الحدود، التي عادة ما ينزع فتيلها الدبلوماسية الدولية، قلق الكثيرين من أنها قد تستمر بلا هوادة وأن تشعل فتيل حرب أطول أمدا.
على ماذا يدور الصراع؟
السيطرة على منطقة ناغورني قره باغ الجبلية، ويسكنها ويسيطر عليها أغلبية أرمينية العرق، وتقع داخل الأراضي الأذربيجانية، وترتبط بأرمينيا عبر طريق سريع باهظ التكلفة. وهي منطقة تم عسكرتها إلى حد كبير، وقواتها مدعومة من أرمينيا، التي لديها تحالف أمني مع روسيا. وتدعي أذربيجان منذ وقت طويل أنها ستعيد السيطرة على الأراضي المعترف بها دوليا بوصفها أذربيجانية. أصبحت السيطرة على المنطقة نقطة ذات طابع قومي، وجودية تقريبا، وكبرياء في كلا البلدين.
لماذا اشتعلت الأحداث الآن؟
من غير الواضح ما الذي بدأ هذا التصعيد الأخير، إذ تقول أذربيجان إن أرمينيا استفزتهم بالعدوان. وتقول أرمينيا إن القوات الأذربيجانية هاجمت. وبدأت التوترات في التصاعد منذ يوليو/ تموز الماضي عندما هزت الاشتباكات الحدود بين أرمينيا وأذربيجان لعدة أيام. وأسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل 11 جنديا أذربيجانيا وأحد المدنيين، وفقا لما أعلنته أذربيجان، ودفعت عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الخروج في شوارع باكو، مطالبين بإعادة السيطرة على المنطقة. وتركيا، التي تسعى إلى تعزيز دورها الإقليمي وحليف الأذربيجانيين من العرقية التركمانية، كانت تقدم الدعم، ربما أيضا عسكريا، كما دعمت ادعاءات أذربيجان بصوت عال.
هل من المرجح أن تتصاعد إلى حرب شاملة؟
الإيقاع الطبيعي لهذا الصراع يُرجح أن الدبلوماسية ستتسارع لتهدئة البنادق بعد 48 ساعة من إراقة الدماء. ولكن هذا لم يحدث بعد، والعكس يتحول إلى واقع بشكل أسرع، إذ أعلنت أرمينيا الأحكام العرفية الأحد الماضي وقامت بتعبئة جميع قواتها، وتبعتها بالأحكام العرفية الأحد والتعبئة الجزئية للقوات يوم الاثنين.
وتقول باكو منذ وقت طويل إنها ستعيد السيطرة على المنطقة ولديها ثروات نفطية لإنفاقها على تحقيق تلك الغايات. الصراع مهمل وغير معروف جيدا في العالم الخارجي إلى حد أن البعض يتوقع أن يخرج عن السيطرة، مع تشتت واشنطن عن حشد قواها الدبلوماسية الكاملة لوقف ذلك الصراع، فمساعد وزير الخارجية الأمريكي دعا الجانبين إلى “وقف الأعمال العدائية فورا”، فيما قال الرئيس دونالد ترامب: “سنرى إن كان بوسعنا إيقافه”.
لماذا تتعامل روسيا وتركيا مع الصراع؟
مرة أخرى، تجد تركيا وروسيا نفسيهما على جانبي خط المواجهة، مثلما في سوريا وليبيا، من أجل السيطرة على أجزاء من الشرق الأوسط أو القوقاز. وتركيا بشكل خاص فياضة في تشجيعها لأذربيجان، إذ قال الرئيس رجب طيب أردوغان على تويتر إن أرمينيا “أثبتت مرة أخرى أنها أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة. ولا تزال الأمة التركية تقف أمام إخوانها وأخواتها الأذربيجانيين بكل الوسائل، كما فعلت دائما”.
بينما كان الكرملين قوة أكثر هدوءا، حيث دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، إلى “بذل كل الجهود اللازمة لمنع التصعيد العسكري للمواجهة، والأهم من ذلك وقف العمليات العسكرية”. ولكن موسكو داعم طويل الأمد لأرمينيا، في مجال الأسلحة والدبلوماسية، ومن غير المرجح أن تتسامح مع تركيا التي تفرض إرادتها في منطقة نفوذها السوفييتية السابقة، كما أن بوتين لديه علاقة طيبة بالرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.
ولكن العداوة تُبنى، بالنظر إلى العنف المستمر في سوريا، حيث يضغط المقاتلون السوريون المدعوون من تركيا على حليف موسكو، النظام السوري. وتتزايد التوترات المماثلة في ليبيا، حيث تدعم تركيا الحكومة القائمة على طرابلس والمرتزقة السوريين، وقد أرسلت روسيا مرتزقة “واغنر”، وفقا لمسؤولين أمريكيين، لمساعدة القوات التي تسيطر على الشرق. ويبدو أن كلاً من موسكو تستغلان عدم اهتمام واشنطن بأن تكون القوة العظمى إقليميا، وناغورني قره باغ هي الساحة الأحدث.
ماذا يقول بقية العالم؟
الجميع يريد الهدوء لكن لا أحد على الخطوط الأمامية يستمع بعد. وقال حلف شمال الأطلسي (الناتو) إن على الجانبين أن يوقفا فورا الأعمال العدائية”، وإنه “لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع”. وطلب الاتحاد الأوروبي “الوقف الفوري للأعمال العدائية، ووقف التصعيد، والتقيد الصارم بوقف إطلاق النار” الذي نسقه فريق مينسك التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ولكن بعد 4 سنوات من قيام ترامب بفك ارتباط أمريكا بالعالم، أدت زيادة الثقة الروسية وجرأة تركيا الإقليمية إلى خلق ديناميكية جديدة يمكن فيها التخلص من المعايير القديمة. وحتى إذا نجحت الدبلوماسية فجأة في تعليق القتال في الساعات المقبلة، فإن النشاط الخطابي المتجدد من الجانبين يعني أن هذا قد يشتعل مرة أخرى قريبا.