بقلم / الدكتور أشرف عطيه رئيس مجلس إدارة شركة أوميجا سوفت
منذ نشأة وظهور نموذج الرأسمالية الاقتصادي لم يسلم هذا النموذج من الأزمات الاقتصادية والنكبات المتلاحقة وأهمها أزمة النمور الأسيوية والتي بدأت سنة 1997م والتي ظهرت في تايلاند بتعرض عملتها لهزات عنيفة أدت الى خلل كبير في النظام المالي للبلاد وارتفاع مستوى الدين العام الخارجي مما أدى الى مزيدا من انهيار العملة التايلاندية . ودخلت تايلاند في نفق مظلم وافلاس من جراء المضاربات التي قامت بها الحكومة ادى الى استنزاف الاحتياطي النقدي للبلاد . وانتقلت عدوى الأزمة الى النمور الأسيوية الأخرى في أندونيسيا وكوريا الجنوبية وسينغافورة وتايوان وأدى ذلك الى هروب الاستثمار الخارجي ووقف التمويل الخارجي أيضا في تلك الفترة وانتشرت حالة عدم الثقة على مستوى المنطقة بأكملها . وكان ذلك له أكبر الأثر في إرتفاع حجم الدين الخارجي وعجز الموازنات وموازين المدفوعات واستنزاف الاحتياطات النقدية من العملات الأجنبية وتدهور أسعار الصرف وأدى أيضا الى انخفاض حاد في الناتج الاجمالي المحلي لتلك الدول وأخذت الأمور فترة طويلة حتى بدأت تلك الاقتصادات نحو التعافي بدخول الحكومات في الاشراف على حركة السوق والمشاركة في الصناعات الاستراتيجية وتطوير الانتاج والاستثمار في التكنولوجيا وكثير من الاجراءات التي اشرفت عليها الحكومات وقامت بتقديم حزمة اجراءات مالية واجرائية وقانونية لتنظيم الأسواق وبشراكة مع القطاع الخاص بعيدا عن صندوق النقد الدولي .
ومما صعب الأمر تعقيدا ظهور العولمة وهي باختصار ظهور الشركات العملاقة التي تقوم بفتح فروع لها في كثير من دول العالم إما بهدف تخفيض تكاليف الانتاج لانخفاض مستوى الاجور او بتسويق منتجاتها ومنافسة المنتج المحلي للدول التي تقتحمها تلك الشركات العملاقة او الهيمنة الاقتصادية لاحتكار التكنولوجيا ومن ثم السيطرة السياسية ، وعرفها بعض الاقتصاديين أيضا على أنها تدفق رؤوس الأموال عبر الحدود والتوسع المستمر والمتزايد لحدود الأسواق المتبادلة بين الدول، وتشير إلى الترابط الإقتصادي المتزايد بين دول العالم، نتيجة لحركة السلع والخدمات عبر حدود الدول ، وقد تربعت امريكا على عرش العولمة ثم الصين واليابان وتأتي ألمانيا من بعدهم.
ويرى بعض الاقتصاديين أن الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها والوقوع في الهاوية بسبب التهور والجنون الذي أصاب تصرفات كبار المستثمرين في العالم وهم يلهثون نحو تحقيق أرباح باهظة وغير واقعية من المضاربات في أسواق المال والاستثمارات قصيرة الأجل لتحقيق عوائد سريعة وأيضا التصريحات لبعض صناع التكنولوجيا عن بعض المنتجات التي ستقوم بإنتاجها لكي يرتفع أسعار أسهم تلك الشركات بدون تحقيق عائد من الانتاج بل بالمضاربات اللفظية والتكنولوجية وأيضا بعض الممارسات الغير مشروعة لبعض هؤلاء المستثمرين .
لذا على الحكومة المصرية أن تأخذ بعين الاعتبار كل هذه الممارسات المتهورة من بعض الاستثمارات الاجنبية والمحلية التي يمكن أن تؤدي الى خطر داهم على الاقتصاد المصري والوصول الى منطقة يصعب حينها العودة وتصبح الكارثة أمرا لامفر منه .
فالتوازن واشراف الدولة على السوق وتنظيم السياسات المالية والنقدية والبعد عن التمويل الخارجي والاستدانة المبالغ فيها ومشاركة القطاع الاستثماري والخاص أمر مهم لتجنب المخاطر وأيضا للحفاظ على مقدرات الدولة من أجل إقتصاد قوي للجيل الحالي والأجيال القادمة لتحقيق مزيدا من العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة وتحقيق معدلات النمو الحقيقية والتي تعبر عن ارتفاع معدل الانتاج لكي يتحقق ناتج محلي اجمالي قوي ولايعتمد على الضرائب والرسوم والديون . وفي النهاية لابد من ممارسة النشاط الاقتصادي بشكل متوازن حتى نحقق كل مانتمناه لوطننا الحبيب وشعبنا الغالي .