كتب إبراهيم أحمد
قال الأب د. رفعــــــــــــــت بدر، مدير عام المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، إنّ مصطلح خطاب الكراهية بغيض، وإن كان ثمة أمر نكرهه، فهو الكراهية. كم هي بغيضة وممجوحة من قواميسنا وثقافاتنا وأدياننا. لكنها أيها الأصدقاء موجودة، وهي شقيقة بل توأم للانتقام. جاء في رسائل القديس بولس حديث عن ثمار الروح وثمار الجسد.
وأضاف في كلمته بمؤتمر إعلاميون ضد الكراهية:” أما أعمال الجسد فإنها ظاهرة، ومن بينها عبادة الأوثان والسحر والعداوات والخصام والحسد والسخط والمنازعات والشقاق والتشيع والحسد والسكر والقصف وما أشبه، أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف”. (القديس بولس الى اهل غلاطية ، الفصل 5).
وبمستطاع الإعلام أن يكون خادمًا لثمار الروح، وبمستطاعه أن يكون في الجانب الآخر أن يكون هادمًا.
وتابع:” أمّا الخدمة فهي من ثمار الروح، أمّا الهدم فهو من ثمار الجسد الفاني. وقد جئنا اليوم، برعاية كريمة من صاحب السمو الملكيّ الأمير غازي بن محمّد، صاحب أطروحة الدكتوراه عن الحبّ في القرآن الكريم، لنقول بصوت واحد: نعم لثقافة المحبة وثقافة اللقاء والأخوّة الإنسانيّة والوئام، ولا وألف لا لتجييش الإعلام لخدمة المصالح الشخصيّة الضيقة”.
ولغت إلي أن قداسة البابا فرنسيس، الذي وقّع وثيقة الأخوّة الإنسانيّة، في زيارته التاريخيّة إلى دولة الإمارات العربيّة الشقيقة، مع فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، رئيس مجلس حكماء المسلمين. وقد قال قداسته في رسالته “كلكم أخوة،Fratelli Tutti ” التي نشرها العام الماضي: “إنّ عبادة الله الصادقة والمتواضعة “لا تؤدّي إلى التمييز والكراهية والعنف، بل إلى احترام قدسيّة الحياة، واحترام كرامة الآخرين وحرّيتهم، والالتزام المحبّ تجاه الجميع”. في الواقع “مَن لا يُحِبّ لم يَعرِفِ الله لأَنَّ اللّهَ مَحبَّة” (1 يو 4، 8). ولهذا السبب فإن “الإرهابَ البَغِيضَ الذي يُهدِّدُ أمنَ الناسِ، سَواءٌ في الشَّرْقِ أو الغَرْبِ، وفي الشَّمالِ والجَنوبِ، ويُلاحِقُهم بالفَزَعِ والرُّعْبِ وتَرَقُّبِ الأَسْوَأِ، ليس نِتاجًا للدِّين – حتى وإنْ رَفَعَ الإرهابيُّون لافتاتِه ولَبِسُوا شاراتِه – بل هو نتيجةٌ لتَراكُمات الفُهُومِ الخاطئةِ لنُصُوصِ الأديانِ وسِياساتِ الجُوعِ والفَقْرِ والظُّلْمِ والبَطْشِ والتَّعالِي؛ لذا يجبُ وَقْفُ دَعْمِ الحَرَكاتِ الإرهابيَّةِ بالمالِ أو بالسلاحِ أو التخطيطِ أو التبريرِ، أو بتوفيرِ الغِطاءِ الإعلاميِّ لها…” (من وثيقة الاخوة الانسانية). فالمعتقدات الدينية فيما يتعلّق بالمعنى المقدّس للحياة البشرية تسمح لنا بـ “الاعتراف بالقيم الجوهرية للإنسانية المشتركة، وباسم هذه القيم، يمكننا ولا بد لنا من أن نتعاون، ونبني ونتحاور، ونغفر وننمو، فنسمح لمختلف الأصوات بأن تلحّن نشيدًا نبيلًا ومتناغمًا، بدل صرخات متعصبّة من الكراهية” (كلكم أخوة، 283).
واستطرد:” بمستطاع أدوات التواصل أن تعود إلى كونها أدوات بناء جسور المحبة لا جدران الفصل والتمييز والكراهية ، وهذا ما عزّزه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظّم في مقاله الشهير “أدوات تواصل لا تناحر”، في 20\10\2018، حيث قال: “بدأت أرى مؤخرًا على منصات التواصل الاجتماعي، محاولات لخلخلة ثبات هذه المرساة، وهو ما دفعني لمخاطبتكم اليوم. فحين نتصفح منصات التواصل الاجتماعي نصطدم أحيانا بكمٍّ هائل من العدوانية، والتجريح، والكراهية، حتى تكاد تصبح هذه المنصات مكانًا للذم والقدح، تعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة، والتي تكاد أحيانًا تخلو من الحياء أو لباقة التخاطب والكتابة، دون مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو الالتزام بالقوانين التي وجدت لردع ومحاسبة كل مسيء”.
ولفت إلى إنّها “ثقافة اللقاء” أيها الأصدقاء التي تحتّم علينا أن نكرّس إعلامنا بأشكاله كافة لخدمته. إنها مدرسة حضارة المحبّة التي نحن مدعوون إلى أن نكون أولاً تلاميذ فيها … قبل أن نكون معلمين.
وأوضح:” يطلّ المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام بعد أسابيع على الاحتفال بعشر سنوات على إنشائه، في قلب البطريركيّة اللاتينيّة، وعلى الأرض الأردنيّة التي نحتفل معها هذا العام بمئة سنة على تأسيس دولة المملكة لأردنيّة الهاشميّة، بثقة وعزة نفس وكرامة وانفتاح على الثقافة العربيّة وعلاقات الأخوّة الرائدة مع جميع الدول العربيّة الشقيقة، وعلى الفضاء الإنسانيّ الذي نتقاسم معه الحلو والمر، والعيش بالسراء والضراء، كما حصل في فترة الوباء والآن في فترة الشفاء. إنها أرض المعمودية والمغطس الكريم، وأرض المسيح والمعمدان، أرض رسالة عمّان، وأرض الهاشميين الأبرار، انّها أرض أسبوع الوئام بين الأديان الذي أطلق من الأردن للعالم الفسيح”.
وقال:” هنا لا بدّ من شكر لوسائل الإعلام التي عملت على تفعيل قيم التضامن في فترة الكورونا، وعلى إيصال كلمة العزاء والتشجيع إلى البشر الذين عاشوا أيام خوف ومحنة كبيرين. وقد أخذ المركز الكاثوليكي على عاتقه ببثّ روح الفرح والتضامن والتفاؤل في نفوس الناس من خلال بث الطقوس الدينية من الكنائس الفارغة من الناس والعامرة بالمحبّة. ولنا هنا أن نتساءل كيف كان إعلامنا في فترة الوباء؟ هل نقلنا رسائل تعزية وتضامن وأخوّة إنسانية؟ أم لا سمح الله، كنا سائرين أحيانًا على درب التنمر وخطاب الكراهية مضاعفة أوجاع الناس؟”.
وأشار إلى أنه يعتزّ في المركز الكاثوليكي بأن نكون معكم في هذين اليومين ، بعد أن كنا معكم في أبو ظبي في مستهل العام الماضي، في المؤتمر الدولي الذي نظمه ايضا مجلس حكماء المسلمين ، للتفكير حول دور الإعلاميين في ثقافة “الأخوّة الإنسانيّة”، واليوم ها نحن نكمل المشوار، بالتفكير عن دور الإعلام في دحض وتفكيك وتقليص بل إزاحة خطابات الكراهية.
وقدم بدر، بعض المقترحات:
– مدونة سلوك أخلاقية إعلاميّة، وقد نشر المركز الكاثوليكي قبل عامين، مثلها في مؤتمر دولي نظمه هنا في عمّان، حول “دور الإعلام في الدفاع عن الحقيقة”، ودعونا وقتها مختلف وسائل الإعلام على التوقيع على المدوّنة التي أرجو من مؤتمرنا الكريم أن يتبناها، مثلما يتنبى أيضًا مدونة العشرين نقطة التي وقعنا عليها في ابو ظبي. وتنص مدوّنة عمّان على:
1. ألتزم في عملي الإعلامي بأن أبرز دائمًا روابط التقارب والتواد بين الناس أجمعين.
2. ألتزم بالابتعاد عما يثير النعرات العنصرية أو الطائفية وما يفرّق.
3. ألتزم بدعم المناخ الذي يعمل على تعزيز العلاقة التشاركية لتطوير مفهوم الوطن النموذج الذي يتساوى وينعم فيه الجميع، بمواطنة صالحة، تتمتع بذات الحقوق والواجبات.
4. ألتزم باحترام حقوق الفرد والعائلة في سرية شؤونهم الخاصة وكرامتهم الإنسانية.
5. ألتزم من خلال أداء الرسالة الإعلامية، سواء عبر قنوات الإعلام التقليدي أو السوشال ميديا، أن أسهم في الارتقاء بالذوق العام واحترام حقوق الإنسان والمرأة والأسرة والطفولة.
6. ألتزم بمحاربة الإشاعة المغرضة وباعتماد الصدقية بالرجوع إلى المصادر الموثوقة، لأن من حق الشعب معرفة الحقيقة.
7. ألتزم باحترام كرامة الأديان والرموز الدينية.
8. ألتزم بالابتعاد عن الحقائق المشوّهة والمزيّفة Fake News وأن تكون الحقيقة هي مصدري وهدفي.
9. أدعم الابتعاد عن خطاب الكراهية لأي إنسان أو جماعة بشرية، لا على أساس ديني ولا قومي ولا طائفي ولا إثني.
10. أدعم التعاون مع الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة من أجل خدمة الحقيقة والدفاع عنها.
التركيز على القضايا العادلة ، بدل الخوض في النقاشات التي لا تسمن ولا تقدم ثقافة . القدس ايها الاصدقاء هي العنوان العريض لنقاشاتنا ومطالبنا العادلة ، من خلال دعوة العالم الى الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ، ومن خلال التركيز على الوصاية الهاشمية التي تحفظ الحقوق وتحامي عن المقدسات : قال جلالة الملك عبدالله الثاني قبل ايام قليلة ، في كلمته في الامم المتحدة: …” القدس الشريف في قلب السلام، فهي مدينة مقدسة بالنسبة لمليارات الأشخاص حول العالم. ومن جانبنا، سيستمر الأردن بالعمل على الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية من منطلق الوصاية الهاشمية عليها”. فدعونا نركز بثنا الاعلامي اليومي على أمور تخدم البشرية ولا تهدمها .
– عدم تبسيط الواقع بما يرضي طرفًا واحدًا. إن خطر تبسيط الواقع يظهر بوضوح شديد حتى في حالة الأخبار المتعلقة بالدين واستخدامه المشوه والتجديف لتبرير العنف والإرهاب. والحالة الواضحة هي الربط بين المسيحية والغرب – وبالتالي بين المسيحية وسياسات الدول الغربية – الذي تروج له وسائل الإعلام المتطرفة. لكن من الواضح أيضًا ضرورة وقف الربط بين الإسلام والتطرف، بين الإسلام والراديكالية، بين الإسلام والإرهاب، وهو الأمر الذي نجده للأسف أحيانًا في بعض وسائل الإعلام الغربية التي تنسى أنه في الهجمات الإرهابيّة تُسجل أعلى نسبة من الضحايا في العالم بين المسلمين. إن تقديم ما يحدث اليوم على أنه “حرب” بين الإسلام والمسيحية هو باطل لا يأخذ بعين الاعتبار جوهر الحقيقة.
– التركيز على الندوات التربوية الخاصة بحسن وأخلاقيات استخدام وسائل الإعلام، وقد جربنا ذلك في المركز الكاثوليكي وعقدنا عددًا من الجلسات التثقيفية للشباب الجامعيين، حول تنمية القدرة على استخدام وسائل الإعلام لبناء الحضارة الإنسانيّة النبيلة وليس هدمها. فلنتعاون أيها الأصدقاء بهذا الخصوص.