بحكم متابعتي للملف الصيني، أستطيع القول إنما يجري تسويقه للرأي العام العالمي، المغلوب على أمره، لتمرير ما يسمى بالنهج الديمقراطي بجزيرة تايوان، يشبه إلى حد كبير ما يتردد عن ديمقراطية صهيونية مزعومة بـ فلسطين المحتلة.
فبعد 7 عقود من زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، ثبت بالدليل القاطع أن تقسيم دول المنطقة، ومنع وحدتها، ووقف نموها، وتبديد ثرواتها، وتجويع شعوبها، ونزع حقها في تقرير المصير، هو الهدف الاستعماري الأسود.
في التوقيت نفسه، من إعلان إقامة ذلك الكيان الصهيوني العنصري، على أرض فلسطين، اصطف الاستعماريون – ذاتهم – لتخليق مشروع هجين مماثل في جزيرة تايوان، من رحم الأمة الصينية العظيمة، أملا في إعاقة وحدتها وأمنها ونهضتها.
لن أسهب – هنا – في سرد الثمن الباهظ الذي دفعه، ولا يزال يدفعه، شعبنا العربي، نتيجة للاستعمار الصهيوني البغيض، فالمسألة أصبحت واضحة، وضوح الشمس، ومستهجنة – ومدانة – في كل المحافل الدولية.
لكنني سأركز الضوء على عقدة تايوان، ليس لكونها جزيرة صينية، أصيلة، بحكم الجغرافيا والتاريخ، ولكن من زاوية ومغزى دعوة الجزيرة (إلى جانب إسرائيل!!) لحضور قمة الديمقراطية، وحرمان بكين، غير الديمقراطية، من امتياز المشاركة.
وفقًا لتصريحات أخيرة منسوبة لرئيس جهاز الاستخبارات البريطاني، ريتشارد مور، فإن الصين هي المهمة الأولى بالنسبة للاستخبارات البريطانية، موضحًا أن الصين تتخذ إجراءات حاسمة وجريئة، من أجل تعزيز مصالحها الخاصة.
قال ريتشارد مور: “إن الصين دولة استبدادية تختلف قيمها عنّا، وهي تسعى لتأسيس شبكة من الحكم الاستبدادي في مختلف أنحاء العالم، وأن خطر سوء التقدير الناجم عن ثقة الصين المفرطة، قد بات حقيقة.”
هل صحيح أن الصين دولة نظامها غير ديمقراطي، وبالتالي، هي دولة غير مؤهلة لحضور ما يسمى بـ قمة الديمقراطية، أيضًا، هل تسعى بكين لتأسيس شبكة من الحكم الاستبدادي في مختلف أنحاء العالم، وفقًا لوصف المسئول البريطاني؟
فيما يتعلق بشق الديمقراطية، من عدمها، أعود لرد صيني، منطقي ومفهوم وواضح، ورد في شكل “كتاب أبيض”، صدر في بكين أمس الأول، السبت.
ذكر الكتاب أن الديمقراطية ليست زخرفة للزينة، بل هي أداة لمعالجة القضايا التي تهم الناس، مشيرًا إلى أن الديمقراطية حق للشعب في كل بلد، وليست امتيازًا لبعض الدول.
أيضًا، فإن الحكم على ما إذا كانت دولة ديمقراطية، أمر يتم من قبل شعبها، وليس من قبل حفنة من الغرباء، وأن الاعتراف بأن البلد ديمقراطي هو أمر يتم من خلال المجتمع الدولي، ولا يُقرر بشكل تعسفي من قبل قلة من قضاة نصّبوا أنفسهم لذلك.
أشار الكتاب إلى أنه لا يوجد نموذج ثابت للديمقراطية، لأنها تتجلى بنفسها من خلال العديد من الأشكال، موضحًا أنه من غير الديمقراطي – في حد ذاته – تقييم الأنظمة السياسية المختلفة في العالم مقابل معيار واحد، وفحص الهياكل السياسية المتنوعة بشكل أحادي اللون.
أضاف أنه من خلال الديمقراطية الشعبية، تمكنت الصين من تحقيق التوازن بين مطالب ومصالح كافة الفئات الاجتماعية، وعززت الوحدة الوطنية على أساس الأفكار والمصالح والأهداف المشتركة لتلك الفئات.
أكد أن الصين لم تنسخ نماذج الديمقراطية الغربية، لكنها خلقت نموذجها الديمقراطي الخاص، ذكر أن الصين أنشأت وطوّرت عملية كاملة للديمقراطية الشعبية تتماشى وظروفها الوطنية، وأن هذا الشكل من الديمقراطية يتميز بخصائص صينية، يؤسس نظامًا ديمقراطيًا يغطي 1.4 مليار نسمة من 56 مجموعة أثنية، ويعكس – في ذات الوقت أيضًا – رغبة عالمية إنسانية نحو الديمقراطية.
أشار الكتاب الأبيض إلى أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني تمثل الضمانة الأساسية للديمقراطية الشعبية الكاملة، مؤكدًا أنه ليس من السهل على دولة كبيرة مثل الصين تمثيل ومعالجة هموم شعبها، لذلك، يجب أن يكون لها قيادة مركزية قوية.
ردًا على السؤالين: هل تسعى الصين لتأسيس شبكة من الحكم الاستبدادي في مختلف أنحاء العالم؟وهل تنتهج بكين سياسة”سباق تسلح” مع واشنطن، لتحقيق ذلك، وفقًا لتصريح أخير لوزير القوات الجوية الأمريكية، فرانك كيندال؟
جاء في تعليق أخير، نقلته وكالة أنباء شينخوا الصينية، أن بكين لم تعتمد القوة العسكرية من أجل إجبار أي دولة على اتخاذ خيار محدد، وأن القوى الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا لا تتقبل حقيقة صعود الصين، وتعتقد بأن صين أقوى في المستقبل، ستمارس الهيمنة مثل الدول الغربية.
ذكر التعليق أن القوى الغربية يجب أن تحترم حق الصين في حماية مصالحها الشرعية وقيمها، وفي ظل تغيرات العولمة، أصبح من الواجب عليها تقبل التغيرات العالمية بهدوء.
قال التعليق نصًا: “لن تدخل الصين – أبدًا – ساحة الهيمنة العالمية مع الولايات المتحدة وتجري سباق تسلح لهذا الغرض، ولن تذهب إلى أجزاء مختلفة من العالم للقيام بأنشطة تخريبية، لكننا سنواصل بحزم العمل على بناء القدرات العسكرية التي تمكننا من هزيمة الجيش الأمريكي فيما يتعلّق بالمصالح الجوهرية للصين، وحشد الموارد الهادفة إلى إضعاف جهود الولايات المتحدة وحلفائها حول العالم في الإضرار بمصالح الصين”.
اختتمت شينخوا تعليقها قائلة: “إذا كان لدى الولايات المتحدة الكثير من المال، فيمكنها أن تجري سباق تسلح مع نفسها، أما جهاز الاستخبارات البريطاني، فإذا كان لديه فائض من الموظفين، فيمكنه أن يزودهم بمنظار لمتابعة ما يسمونه “التغلغل الخبيث الصيني” في بريطانيا والعالم، أما الصين فستواصل طريقها في التنمية والتقدم بنفس الوتيرة، ولن تتراجع عن أهدافها في التحديث”.
يبقى أن أشير إلى أن قيام البيت الأبيض بتوزيع صكوك الديمقراطية التفصيلية على بعض الدول والكيانات والمناطق (مثل تايوان وإسرائيل)، وحرمان آخرين منها (مثل الصين وروسيا)، قد أغضب موسكو بشدة.
فقد صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، بأن قمة الديمقراطية المرتقبة محاولة لإنشاء خطوط تقسيم جديدة، تقسم البلدان إلى جيدة، من وجهة نظر واشنطن، وسيئة في نظرهم أيضًا، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تحاول “خصخصة” كلمة الديمقراطية من وجهة نظرها هي فقط!!
Kgaballa@ahram.org.eg