بقلم / الدكتور أشرف عطيه رئيس مجلس إدارة شركة أوميجا سوفت
في الجزء الأول والثاني من المقال ذكرت بأن الانتاج والاستهلاك من العوامل المهمة للعملية التجارية والحياة الاقتصادية ، وتم استعراض آليات السوق في الاقتصاد الاسلامي واستكمالا للموضوع ولتوضيح المفاهيم والعوامل المهمة التي ترتكز عليها نظرية الاقتصاد الاسلامي فسأستعرض في هذا الجزء السياسات النقدية و التي رسمها وحددها الاقتصاد الاسلامي .
فإن النشاط الاقتصادي مر بتطور عبر الزمان حيث كانت المقايضة في بداية الزمان هي الاسلوب السائد في عملية البيع والشراء للسلع والمنتجات التي كانت في اغلبها زراعية ، ولكن لم يستمر هذا الامر طويلا حتى ظهرت مشكلات هذا الاسلوب و تعثرت عمليات التبادل بين السلع في القيمة ومن هذا المنطلق ظهرت فكرة النقود لتكون وسيطا للتعاملات المختلفة فهي عبرت عن القيمة وأيضا إتخذت مخزون للثروة .
وتم قبول النقود بين المتعاملين ، فبعدما كان الناس يتبادلون السلع بالسلع التي يرغبون في استهلاكها أصبح التعامل الان مقابل النقود والتي اتركزت عليها عمليات البيع والشراء والتقييم للخدمات والسلع والمنتجات .
ومع تطور الحياة وتعقد الانشطة الاقتصادية ووسائل الانتاج وانتقال الاقتصاد من الزراعي الى الصناعي ظهرت المصارف والبنوك في العصور الوسطى ، لذا فقد أنشئت المصارف الحديثة خلال النهضة الأوروبية بمدينة البندقية في إيطاليا في عام 1397م تحت عنوان بانكو ريالتو وهي كلمة يقصد بها المائدة أو الطاولة التي كان يجلس عليها الصيارفة، والذين كانوا يقبلون إيداعات كبار الأثرياء والتجار ليحتفظوا بها على سبيل الأمانة على أن يقوموا بردها لهم عند طلبها، وكانوا يحصلون مقابل ذلك على عمولات وذلك بغرض وقاية هذه الأموال من السرقة ، وتم تأسيس أول بنك تجاري في عام 1517م بمدينة البندقية.
والجدير بالذكر أن الرائد الاقتصادي المصري محمد طلعت حرب باشا، أسس بنك مصر عام 1920 والذي تزعم فكر الادخار الوطني وتوجيه تلك المدخرات الوطنية نحو التنمية الاقتصادية ، كما أن تاريخ ظهور مؤسسات التمويل الاسلامي ظهرت في ماليزيا 1963 .
ولابد أن نوضح بأن الاقتصاد الاسلامي يعضد ويساند الدور الكبير الذي تقوم بها المؤسسات المصرفية والبنكية مع الاخذ في الاعتبار بعض القواعد التنظيمية والتي تتوافق مع الشريعة الاسلامية مما كان له أكبر الاثر في ظهور البنوك الاسلامية .
ورغم الجدال الدائر والموجود حول البنوك الاسلامية والفرق بينها وبين البنوك والمصارف العادية ، فالفرق الجوهري هو أن البنوك والمصارف الاسلامية تتبع إسلوب المشاركة والمخاطرة وربط الاقتصاد الحقيقي بقيمته النقدية الواقعية دون مضاربات . لذا فإن كل معاملة مالية لها منتج او سلعه او خدمة واقعية ملموسة من خلال التعاملات عبر عقود المرابحة وتتجنب المعاملات والعقود التي تعتمد على الربا والذي يرتكز على الفوايد بدون عمل او مشروعات ربحية .
وفي جميع نظريات الاقتصاد تكون النقود المعيار الثابت والمتفق عليه بين الأفراد والمجتمعات والدول ، لذا لابد ان تتمتع النقود بالثبات النسبي وهي معيار جميع المتغيرات من السلع والمنتجات والخدمات في المجتمعات وعبر الزمان . ومن هذا المنطلق فإن السياسات النقدية التي يتم اتخاذها لابد وان تراعي الثبات لها من أجل تجنب التضخم وزيادة الاسعار وثبات معدلات التبادل التجاري داخليا وخارجيا .
والجدير بالذكر أن نظرية الاقتصاد الاسلامي تراعي هذا الثبات من خلال تجنب المضاربات والمعاملات الربوية في ظل النشاط الاقتصادي الواقعي والحقيقي للسلع والمنتجات والخدمات.
فليس الامر فقط في التحليل والتحريم بل في التفوق الفكري بإيجاد البديل ، لأن رب العزة سبحانه وتعالى حين تكلم عن الربا في القرآن قال ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) فعبقرية النص تأتي في طرح البديل قبل التحريم وهذا هو المطلوب من أصحاب ومؤيدي فكر نظرية الاقتصاد الاسلامي . وللحديث بقية عن السياسات المالية في نظرية النظام الاقتصادي الاسلامي .
خالص تحياتي وتقديري
د / أشرف عطيه