بقلم / الدكتور أشرف عطيه رئيس مجلس إدارة شركة أوميجا سوفت
في الأجزاء السابقة من المقال كتبت عن الانتاج والاستهلاك و آليات السوق والسياسات النقدية والتي تمثل المحاور المهمة للعملية التجارية والحياة الاقتصادية في الاقتصاد الاسلامي، واستكمالا للموضوع وتوضيح المفاهيم والعوامل المهمة التي ترتكز عليها نظرية الاقتصاد الاسلامي فسأستعرض بشكل مختصر ومبسط في هذا الجزء السياسات المالية في الاقتصاد الاسلامي .
حيث إن الموازنة العامة لأي دولة تتكون من جانبين أساسيين هما الايرادات والنفقات وينشأ العجز أو الفائض نتيجة للفرق بينهما . والزكاة في الاقتصاد الاسلامي تأتي في المرتبة الأولى لقائمة إيرادات الاقتصاد الاسلامي فهي فريضة دورية تمنح للفقراء من مال الأغنياء وفرض الله سبحانه وتعالى الزكاة بعبقرية لم يأتي بها نظام اقتصادي آخر ، حيث معدلات زكاة مختلفة فرضت بـ 2,5%، 5%، 10%، 20%، والاختلاف في معدلاتها يرجع إلي مراعاة تكاليف الإنتاج والجهد البشري المبذول في الحصول على الثروة أو الدخل وأيضا على أساس تنوع المصادر من مال وذهب وكنوز وزروع وثمار وثروة حيوانية والمعادن التي في باطن الأرض .
وتظهر عبقرية الزكاة في أنها تمثل المايسترو الذي ينظم الاستهلاك والانتاج والاستثمار ، فمن ناحية لاترهق الاغنياء ، وبالتالي فهي لا تضعف الاموال النقدية التي توجه للإستثمار ورأس المال العامل ، وتعمل في الجانب الآخر على زيادة القوى الشرائية للفقراء بصورة مباشرة مما يؤثر على الطلب للسلع والمنتجات بشكل إيجابي ، فيزداد الطلب الذي يمثل العامل الاساسي لعملية الانتاج ، ومن هنا يرتفع الناتج المحلي الاجمالي ويزداد حجم الاقتصاد والنمو الاقتصادي .
وتأتي أيضا الايرادات التي تمتلكها الدولة نتيجة للمعادن التي تكون في باطن الارض من بترول وغاز وذهب ونحاس وحديد وكثير من المعادن الأخرى التي يكون لها قيمة كبيرة تؤثر في الناتج المحلي الاجمالي وإيرادات الدولة .
بالاضافة الى الأوقاف التي يحبسها الافراد لتكون إيرادتها وأصولها لخدمة الأفراد والمجتمع والتي تشرف عليها الان الجهات الحكومية .
أما الضرائب والرسوم التي شاع إستخدامها في العصر الحديث فقد أجاز الفقهاء بشروط معينة من أهمها أن يكون لها أسباب ضرورية تخص المجتمع وتنميته وتطويره ، وأيضا لابد من تحقيق العدالة الاجتماعية في تحصيلها حيث يتحمل الأغنياء الجانب الأكبر .
وعلى الجانب الآخر تأتي النفقات في الاقتصاد الاسلامي على شقين الأول وهي نفقات مخصصة للزكاة والتي لها المصارف الشرعية كما جاء بالقرآن حيث قال رب العزة ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ صدق الله العظيم .
أما أموال الوقف يحدد مصارفها الواقف في وصيته . و النوع الآخر من النفقات فهي النفقات التي تترك للدولة وفقا للمصلحة العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وتحقيق التنمية المستدامة التي تؤدي الى زيادة معدلات النمو ويكون لها أكبر الأثر في تحقيق الحياة الكريمة وسعادة المواطنين .
والجدير بالذكر أن معظم المقالات والكتب والابحاث التي كتبت في الاقتصاد الاسلامي كانت تتصف بالخلط بين عمل الفقيه والاقتصادي ولهذا غاب الابتكار والابداع نظرا لتركيز هذه الكتابات على بيان الأحكام الشرعية لبعض المعاملات دون النظر الى طرح نموذج إقتصادي مكتمل الاركان آخذا في الاعتبار كل مايحدث من معاملات وتعاملات أكثر تعقيدا مما سبق .
فدخول تكنولوجيا المعلومات وإقتصاد المعرفة والثورات الصناعية وخاصة الثورة الصناعية الرابعة والتي تعتمد على العلم والبحث العلمي والفكر والابداع وريادة الاعمال ، لتفرض وتستحدث إبتكار أدوات مالية فريدة ومتميزة في ظل عدالة قواعد الاقتصاد الاسلامي المتزن والذي سيعود على الفرد والمجتمع والدولة بالخير الكثير، لتكون بديلا عن الأدوات التقليدية الحالية سواء الشيوعية او الاشتراكية او الرأسمالية التي أثبتت فشلها في مواجهة الأزمات المالية والكساد والتضخم وزيادة معدلات الفقر والفجوة الكبيرة بين طبقات المجتمع وغياب الطبقة المتوسطة .
خالص تحياتي وتقديري
د / أشرف عطيه