كتب إبراهيم أحمد
تاريخ الصحافة لا ينفصل عن التاريخ السياسي لأي دولة.. فالصحافة هي مرآة المجتمع ومصدر من أهم المصادر التي يعتمد عليها المؤرخون.. وبهذا الصدد لا شك في أن التوأم مصطفي وعلي أمين كانا ظاهرة قلما تتكرر في الصحافة.
ولد التوأم مصطفى وعلي أمين في 21 فبراير 1914، قبل 106 أعوام، كان والدهما “أمين أبو يوسف” محاميا كبيرا، أما والدتهما فهي ابنة أخت الزعيم سعد زغلول، ومن هنا انعكست الحياة السياسية بشكل كبير على حياة الطفلين حيث نشآ وترعرعا في بيت زعيم الأمة.
سافر مصطفى أمين إلى أمريكا لإكمال دراسته فالتحق بجامعة جورج تاون، ودرس العلوم السياسية، وحصل على درجة الماجيستير في العلوم السياسية مع مرتبة الشرف الأولى عام 1938، ثم عاد إلى مصر وعمل مدرسا لمادة الصحافة بالجامعة الأمريكية لمدة أربع سنوات.
كانت الصحافة هي العشق الأول لمصطفى أمين وكذلك شقيقه، وبدأ العمل بها مبكراً وذلك عندما قدما معاً مجلة “الحقوق” في سن الثماني سنوات، والتي اختصت بنشر أخبار البيت، تلا ذلك إصدارهما لمجلة “التلميذ” عام 1928، وقاما فيها بمهاجمة الحكومة وانتقاد سياساتها، فما لبثت أن تم تعطيل إصدارها، أعقبها صدور مجلة “الأقلام” والتي لم تكن أوفر حظاً من سابقتها حيث تم إغلاقها أيضاً.
في عام 1930 انضم مصطفى للعمل بمجلة “روز اليوسف”، وبعدها بعام تم تعيينه نائباً لرئيس تحريرها وهو ما يزال طالباً في المرحلة الثانوية، وحقق الكثير من التألق في عالم الصحافة، ثم انتقل للعمل بمجلة “آخر ساعة” والتي أسسها محمد التابعي، وكان مصطفى أمين هو من اختار لها هذا الاسم.
كان مصطفى أمين صحفياً بارعاً يعشق مهنته يتصيد الأخبار ويحملها للمجلة، يتمتع بقدر كبير من الإصرار والمثابرة، ويسعى وراء الخبر أينما كان، وكان أول باب ثابت حرره بعنوان “لا يا شيخ” في مجلة روز اليوسف، وقد أصدر عددا من المجلات والصحف منها “مجلة الربيع” و”صدى الشرق” وغيرها والتي أوقفتها الحكومة نظراً للانتقادات التي توجهها هذه المجلات والصحف إليها.
شهد عام 1944 مولد جريدة “أخبار اليوم” بواسطة كل من مصطفى وعلي أمين، وكانت هذه الجريدة بمثابة الحلم الذي تحقق لهما، وبدأ التفكير بها بعد استقالة مصطفى من مجلة “الاثنين” حيث أعلن عن رغبته في امتلاك دار صحفية تأتي على غرار الدور الصحفية الأوروبية، وبالفعل ذهب مصطفى أمين إلى أحمد باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية وقتها، ليتحدث معه في الصحيفة الجديدة، وطلب منه ترخيصا لإصدار صحيفة سياسية باللغة العربية باسم “أخبار اليوم”.
وبدأ مصطفى في اتخاذ الإجراءات القانونية لإصدار الصحيفة في 22 أكتوبر 1944، وجاء يوم السبت 11 نوفمبر ليشهد صدور أول عدد من “أخبار اليوم”، وقد حققت الصحيفة انتشاراً هائلاً، وتم توزيع عشرات النسخ منها مع صدور العدد الأول، وقد سبق صدورها حملة دعاية ضخمة تولتها الأهرام، وقد قام الأخوان أمين بعد ذلك بشراء مجلة “آخر ساعة” عام 1946 من محمد التابعي.
التحق علي أمين بالجامعة الأمريكية، وحصل على البكالوريا وسافر عام 1931 إلى إنجلترا وحصل على بكالوريوس الهندسة عام 1936، وانضم هناك إلى فريق الملاكمة وأصبح من لاعبيها المشهورين، وعاد إلى مصر وعين مهندسا باليومية في مصلحة الميكانيكا والكهرباء، كما عمل مديرا لمكاتب ثلاثة من الوزراء وهم التموين والمواصلات والمالية، ثم مديرًا عامًا للمستخدمين والمعاشات قبل أن يتفرغ مع شقيقه مصطفى لإصدار «أخبار اليوم» عام 1944.
وما أن استقر في مهنة الصحافة حتى أصبحت جزءا منه وغطت على باقي تفاصيل نشأته الأكاديمية والرياضية، فاشترى مع مصطفى أمين مجلة آخر ساعة من محمد التابعي، وأصدَرا مجلات «آخر لحظة» و«الجيل الجديد» و«هي»، ثم تولى رئاسة تجرير «دار الهلال» ثم «أخبار اليوم».
علاقة وطيدة جمعت الأخوين بوالدتهما، فكانا على ارتباط شديد بها بحكم مهنة الوالد التي تتطلب منه السفر بصورة دائمة، «كانت علاقتهم بوالدتهم قوية جدا الزيارات والاتصالات دائمة لا تنقطع، وكانوا يتحدثون معها في كل شيء حتى عن العمل»، بحسب ابنة مصطفى أمين.
الأمر الذي جعل علي أمين صاحب فكرة الاحتفال بالأم والتي طرحها في مقاله اليومي، مطالبًا بأنَّ يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا وأن يجعلوها تستريح من عناء العمل في المنزل موجهين لها الشكر على ما تبذله، وبعد نشر المقال بجريدة «الأخبار» اختار القراء تحديد يوم 21 مارس، وهو بداية فصل الربيع ليكون عيدًا للأم ليتماشى مع فصل العطاء والصفاء والخير، وابتكر مع شقيقه الاحتفال أيضًا بما يسمى بـ«عيد الأب»، و«عيد الحب».
كما بدأ علي ومصطفى أمين مشروعًا خيريًا أطلقا عليه «ليلة القدر» عام 1957، وكان لهما بعض النشاطات الاجتماعية، ومن كلماته المأثورة جملته الشهيرة «ساعة ظلم واحدة طولها ألف سنة».
علي أمين الذي توفي في 28 مارس 1976 عن عمر ناهز 62 عامًا، ووالدته هي ابنة شقيقة الزعيم سعد زغلول، وعاش هو وشقيقه فترة من صباهما في مدينة دمياط لظروف عمل والدهما، وهناك تعرفا على جلال الدين الحمامصي وامتدت صداقتهم إلى آخر العمر.