كتب إبراهيم أحمد
محمد أبو الجدايل- لا يختلف عاقلان على أن منافسات كرة القدم العالمية هي “نشاط رياضي إجتماعي” محض، بعيد كل البعد عن السياسة ومتاهاتها، لكن هل تندرج هذه العبارة في القاموس الغربي للتفاعلات الدولية، من دون أدنى شك الجواب سيكون لا.
فبينما إنطلق مونديال قطر 2022 البطولة الأكبر والأشهر في عالم كرة القدم والتي تجري في بلد إسلامي لأول مرّة في تاريخ الكرة، لم تأل الدول الغربية جهداً إلاّ وبذلته لتوجيه حرابها الإعلامية والسياسية ضد استضافة قطر للمونديال، حيث تعالت أصوات العنصريين والحاقدين في الغرب لمقاطعة كأس العالم، مرة بحجة الدفاع عن حقوق العمال الأجانب، ومرة أخرى بحجة حماية المثليين جنسيا، ووصل الأمر إلى قيام بعض المطارات الأوروبية بالتضييق على سفر المشجعين إلى الدوحة، وقد بلغت حالة الهستيريا الغربية إلى حد قيام صحيفة “لوكانار إنشينيه” الفرنسية بنشر كاركتير يصور لاعبي المنتخب القطري لكرة القدم على أنهم “إرهابيون”.
“العداء الغربي الأعمى للمسلمين عموماً وللعرب خصوصاً، ورفض الإعتراف بهم على الساحة العالمية، وعدم قبول مساهماتهم في أي مجال كانت حتى الرياضية والإنسانية منها، هو ما نتحدّث عنه في هذا الموضوع، وهو ما يدفعنا لطرح سؤال مفاده “هل فعلاً يتعلق الأمر بحقوق الإنسان أم إن المعلقين الغربيين لا يحتملون فكرة أن بلداً عربياً مسلماً في الشرق الأوسط يستضيف كأس العالم؟
كان من الأحرى على الدول الغربية بدلاً من التوقف عند الاتهامات الموجهة إلى قطر، أن تقدّم نموذجاً أفضل للطريقة التي يعامل بها العمال المهاجرون في بلدانهم. فقد خلص تحقيق أجري مؤخراً إلى أن فرنسا وبريطانيا تركتا 27 شخصاً يموتون بينما انخرط البلدان في جدل حول من الذي ينبغي أن يسارع إلى إنقاذ قارب محمل باللاجئين من الغرق، ولم يعد يخفى على أحد أن الدول الغربية وعلى رأسها الأوروبية التي تزعم التقدّم وأولوية حقوق الإنسان بالنسبة لها، قد حوّلت البحر الأبيض المتوسط الى مقبرة جماعية لم يك لها مثيل في تاريخ البشرية من خلال عدم مساعدة اللاجئين الذين كانت تغرق قواربهم أمام مرأى جميع الدول الأوروبية وهي التي كانت قادرة على إرسال سفن مخصصة لإنقاذهم بكل سهولة.
*محاولات التسييس الغربية للمونديال
محاولات التسييس الغربية للمونديال لم تتوقّف منذ أكثر من عام على إنطلاق البطولة، حيث كانت منتخبات أوروبية قد أعلنت عن نيتها دعم حملات أيديولوجية أو سياسية كارتداء شارة قيادة تحمل ألوان العلم الأوكراني، خلال مونديال قطر، وردًا على ذلك، أطلق نشطاء من مختلف أنحاء العالم، حملة واسعة على المنصات الاجتماعية لرفع الأعلام الفلسطينية أثناء منافسات المحفل الرياضي العالمي.
إلاّ أن إفتتاحية المونديال لجمت أفواه جميع الحاقدين والرافضين لإقامة المونديال في بلد عربي وإسلامي على وجه التحديد، ويظلّ أن نقول أن أبرز ما يمكن أن نستخلصه في هذا المونديال وان كان العديد يتأمل في أن تظلّ هذه البطولة العالمية للرياضيين منحصرة في دائرة الرياضة فحسب، إلاّ أنها دون أدنى شكّ فضحت بشكل مريع نفاق الغرب وازدواجية معاييره، ليس فقط من خلال هذه الحملة، بل سبقها تأييد خلط السياسة بالرياضة ودعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، لكن الأمر مختلف حينما يتعلق بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المستمرة منذ عشرات السنوات بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
إنتقادات الغرب اللاذعة لقطر عشية افتتاح المونديال، دفعت رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للردّ على تلك الهجمات، وفي إشارة إلى الانتقادات التي أثيرت بشأن العمال المهاجرين، قال إنفانتينو: “إن إثارة هذه القضايا يظهر المعايير المزدوجة في أوروبا بشكل جيد للغاية. أنا أوروبي، “هذه القارة كانت تتصرف بشكل سيء في جميع أنحاء العالم منذ 3000 عام وهي بحاجة إلى مواصلة الاعتذار عن 3000 سنة قادمة قبل أن ترغب في تلقين الآخرين درسًا أخلاقيًا.
ولم تتوقف محاولات التسييس عند هذا الحدّ، إذ حاولات القنوات المعادية لايران ومن يقف وراءها لاسيما الدول الغربية، إنتهاز أجواء المونديال لتأجيج الأجواء ضد طهران، وإطلاق شعارات ورفع لافتات تحمل عبارات مغرضة، إلاّ أن الدوحة وضعت حدّا لكل تلك الحياولات ومنعت بعض القنوات التي كانت تضمرّ شرّا لكل من ايران وقطر من المشاركة في المونديال تجنّبا لتسييس المسابقات.
في المقابل، اتّخذت الدولة القطرية موقفاً صارما في هذا الصدد، وأكدت أنها بذلت قصارى جهدها لإعطاء جميع العمال والمشاركين في تحضير المونديال كامل حقوقهم، ورعايتهم بما تفرضه الأخلاق الإسلامية المتشرّبة في جميع الدول الإسلامية، ومنعت من خلال خطابها الإعلامي جميع الحياولات الخاوية لتسييس المونديال، وكانت الإفتتاحية التي نالت إعجاب الجميع في مختلف أنحاء العالم خير دليل على ذلك، ومن دون شكّ ستواصل سياستها هذه المتمثّلة بمنع إستغلال المونديال سياسياً وإبقاءه داخل دائرة الرياضة فحسب.