B محمد صلاح.. يكتب / كوبري بولاق ابوالعلا مشروع ثقافي عملاق في طي النسيان - جريدة الوطن العربي
عاجل
الرئيسية » مقالات » محمد صلاح.. يكتب / كوبري بولاق ابوالعلا مشروع ثقافي عملاق في طي النسيان
https://cairoict.com/trade-visitor-registration/

محمد صلاح.. يكتب / كوبري بولاق ابوالعلا مشروع ثقافي عملاق في طي النسيان

بقلم / الكاتب الصحفي محمد صلاح

هذا هو كل ما تبقى من كوبرى أبوالعلا، قطع حديدية بأحجام متنوعة: ضخمة، ومتوسطة، وصغيرة، مشغولة وسادة، مدهونة وخالية من الدهان، كلها ترقد فى أمان أسفل كوبرى الساحل بالمنطقة التى تحمل نفس الاسم على شاطئ النيل، المكان الذى اختاره المسئولون قبل أكثر من 14 عاماً ليصبح مثوى الكوبرى الأخير، بعد الاستغناء عن خدماته فى ربط منطقة بولاق أبوالعلا بالزمالك عبر نهر النيل، وهى المهمة التى أداها الكوبرى بنجاح على مدار تاريخه الطويل الممتد من عام 1912 حتى عام 1998 تاريخ تفكيكه من مكانه ليحل محله كوبرى 15 مايو، فيما يُحمل هو إلى مثواه الحالى على بعد كيلومترات قليلة من موقع عمله القديم خلف أسوار عالية تحجبه عن المارة.

على أمل إعادة التركيب، يرقد كوبرى أبوالعلا مفككاً على شاطئ النيل، يود لو يصدق المسئولون الذين أعلنوا وقت تفكيكه أنه سيعود للعمل مرة أخرى أمام مركز التجارة العالمى، أعلنوا وقتها أنه فى حال إعادة تركيبه فإنه لن يستخدم فى نقل السيارات والبشر والدواب، وأن دوره سيكون مقتصراً على استخدامه كمزار سياحى، ومرسم مفتوح للفنانين التشكيليين، وأن المكان الجديد الذى سيحتله لن يكون بعيداً عن المكان الذى ظل يؤدى عمله منه لمدة تزيد على الثمانين عاماً.

وتاريخ كوبرى أبوالعلا لا ينحصر فقط فى كونه جسراً كان يقطع مياه النيل ليصل بين ضفتيه فيربط حياً بآخر، بل يمكن اعتباره تعبيراً عن حالة عاشها أهالى حيين من أكثر الأحياء فى مصر تناقضاً، حى بولاق أبوالعلا وحى الزمالك؛ فالأول منذ إنشائه قبل أكثر من مائتى عام كان يعتبر حياً شعبياً بجدارة، سكنه عامة الشعب فى منازل صغيرة ضيقة تقع داخل شوارع لا تختلف عنها فى شىء، بالإضافة إلى الزحام والضوضاء اللذين صبغا الحى بصبغة ظلت ملازمة له حتى الآن.

أما الثانى فعلى النقيض تماماً، رغم أن أصل كلمة «الزمالك» يعنى فى اللغة «العشش»، إلا أنه بمرور الزمن تحول إلى واحد من أرقى أحياء القاهرة، يسكنه علية القوم فى منازل واسعة نظيفة داخل شوارع رحبة أنيقة، وتتنافس سفارات الدول الأجنبية فى فتح مقرات لها فيه، بالإضافة إلى الهدوء والنظام اللذين يميزان الحى العريق منذ نشأته حتى الوقت الحالى. ولما كان الحيان المتناقضان لا يفصل بينهما سوى النهر، فقد جاء كوبرى أبوالعلا ليربط بينهما وكأنه جسر بين عالمين لا حيين.

ولأن المفارقة كانت واضحة للغاية فى حكاية الكوبرى، فقد عملت السينما المصرية فى كثير من أعمالها على إبراز تلك المفارقة، واحد من تلك الأعمال كان فيلم «الأسطى حسن»، الذى أخرجه صلاح أبوسيف عام 1951، عن قصة لفريد شوقى الذى لعب دور البطولة فى الفيلم، تدور الأحداث بين الحيين الشهيرين فى دراما اجتماعية تصور عاملاً بسيطاً يسكن حى بولاق الشعبى، ويحلم أن يتخلص من الظروف الاجتماعية السيئة التى يعيشها مع زوجته وابنه، وعندما تلوح له سيدة من سكان الزمالك، لا يصبح أمامه إلا اجتياز الكوبرى لينتقل للحياة إلى جوارها نابذاً حياته الماضية، ومع نهاية الفيلم يعود العامل مرة أخرى للحياة فى حيه القديم مع أسرته بعد أن يدرك زيف الحياة التى عاشها إلى جوار ساكنة الزمالك، هذه المرة يعبر كوبرى أبوالعلا إلى غير رجعة.

فيلم آخر تحت عنوان «القلب له أحكام» أخرجه حلمى حليم عام 1955، عن قصة لعلى الزرقانى، لعبت بطولته فاتن حمامة مع أحمد رمزى، دارت أحداثه أيضاً بين الحيين اللذين يفصلهما الكوبرى. وفى عام 1967 قدم حسام الدين مصطفى فيلماً بعنوان «جريمة فى الحى الهادئ»، عن قصة اغتيال اللورد موين وزير الدولة الإنجليزى فى حى الزمالك على يد اثنين من اليهود، أطلقا عليه النار وهربا من الحى الهادئ قبل أن تتعقبهما الشرطة وتلقى القبض عليهما على كوبرى أبوالعلا.

الآن لا وجود للكوبرى سوى فى أفلام السينما القديمة، يظهر بتصميمه الهندسى المميز الذى ينسب للمهندس الفرنسى جوستاف إيفل صاحب تصميم برج إيفل الشهير.. راح الكوبرى، وراح مشروع إعادة تركيبه بعد حكايات كثيرة عن عمليات سرقة لحديده المخزن أسفل كوبرى الساحل، وبعد محاولة أخيرة قام بها محافظ القاهرة الأسبق عبدالعظيم وزير فى عام 2009، خفت الحديث تماماً عن الكوبرى، فلم يعد يتذكره أحد ولو بكلمة، وظل هو فى مكانه على شاطئ النيل فى انتظار ما لا يجىء.

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الدكتور أشرف عطية.. يكتب / العلوم الانسانية والاجتماعية ( الجزء الثاني )

بقلم / الدكتور أشرف عطية رئيس مجلس إدارة مجموعة اوميجا جيت نظرا لأهمية الموضوع وإستكمالا ...