بقلم / الدكتور أشرف عطيه رئيس مجلس إدارة مجموعة أوميجا جيت
إن المجتمع المصري في الآونة الأخيرة أصابه الكثير من الاحباط والمعاناة نظرا لارتفاع الأسعار المستمر لكل السلع الهامة من المواد الغذائية والوقود والطاقة والملابس وفواتير الخدمات والرسوم وكل مايشتريه المواطن أو يدفع تكاليفه . وفي ظل الثبات النسبي للمرتبات والدخول وانخافض قيمة الجنيه أمام العملات الاجنبية أدى ذلك الى الضيق ومعاناة العيش لمعظم المصريين .
وهذه الحالة تسمى بالتضخم وقد قام علماء الاقتصاد بتعريف التضخم على أنه إرتفاع عام لمستوى الأسعار مما يؤدي الى انخفاض القوة الشرائية للنقود وهذا التضخم لايعاني منه فقط الأسر والأفراد والمواطنين بل أيضا الشركات والحكومة المتمثلة في البنك المركزي .
وعندما نتحدث عن التضخم، فإننا نتحدث عن ارتفاع الأسعار، ونتيجة لذلك يمكننا شراء سلع وخدمات أقل مقابل وحدة واحدة من العملة المحلية . بمعنى آخر، تنخفض قيمة العملة الواحدة عما كانت عليه من قبل خلال فترة زمنية وغالبا تكون سنه .
وتقوم العديد من البنوك المركزية حول العالم باتخاذ سياسات نقدية مناسبة للحفاظ على التضخم السنوي المحلي ضمن حدود مقبولة. وهنا تظهر الصلة بين السياسة النقدية والتضخم بشكل واضح . وتمثل الأهداف المشتركة لمحافظي البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة هو نسبة تضخم بين 2٪ و 3٪ سنويا
وعلى سبيل المثال، هدف البنك المركزي الأوروبي هو تضخم سنوي “أقل بقليل من 2٪” ، بينما يستهدف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي 2٪ تضخم سنوي. ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن حيث قفز معدل التضخم السنوي في أمريكا خلال شهر مارس الماضي إلى أعلى مستوى له منذ 1981.
وأظهرت بيانات رسمية أمريكية أن معدل التضخم قفز إلى 8.5% مقابل 7.9% في فبرايرالماضي ، متأثرًا بحرب أوكرانيا التي رفعت أسعار الوقود. وأن هذا التضخم ادى الى رفع الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) سعر الفائدة أكثر من مرة .
والجدير بالذكر أن السياسة النقدية والتضخم هما من العوامل التي يمكن أن يكون لها تأثير خطير على حركة الأسعار في الأسواق المالية ويمكن أن تسبب في كثير من الأحيان تغييرات حادة في الأصول المالية المختلفة والقيمة ومعدلات النمو الحقيقي للدولة .
والتضخم له انواع وللتوضيح قبل سرد أنواع التضخم ، أن الأرقام المذكورة أدناه لا تنطبق إطلاقاً على جميع دول العالم، بل تنطبق على التضخم في الاقتصادات المتقدمة وبعض الدول النامية . وفيما يلي أنواع التضخم :
أولا : التضخم البطيء :
حيث تزيد الأسعار بنسبة 3٪ أو أقل سنوياً ويتوقع المستهلكون أن تستمر الأسعار في الارتفاع وأن يقوموا بالشراء الآن مع زيادة الطلب وهو غالبا إيجابي للنمو الاقتصادي . ووفقًا لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، يحدث تضخم بطيء عندما ترتفع الأسعار بنسبة 2٪ سنويا أو أقل وغالبا يستفيد النمو الاقتصادي من هذا التضخم.
ثانيا : التضخم المتسارع :
وفيه ترتفع الأسعار بنسبة من 3٪ الى 10٪ على أساس سنوي ويبدأ المستهلكون في شراء أكثر مما يحتاجون فقط لتجنب ارتفاع الأسعار في المستقبل وفيه يكون الطلب مرتفع للغاية بحيث لا يستطيع الموردون الاستجابة للطلبات . ولا يمكن للأجور أن تدعم الطلب والعديد من السلع والخدمات بعيدة عن متناول العديد من المستهلكين . وقد يضر بالاقتصاد لأنه يرتفع بسرعة كبيرة .
ثالثا : التضخم الجامح :
ويكون مع ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 10٪ سنويا وفيه تعم الفوضى في الاقتصاد ويبدأ المال في فقدان قيمته بسرعة كبيرة مما يؤدي الى أن دخل المواطنين لا يتناسب مع نفقاتهم ويبدأ المستثمرون الأجانب في تجنب البلد وأتمنى أن لاتتعرض مصر لهذه المرحلة حيث أن المؤشرات لا تشير الى التفاؤل . و أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين ( التضخم ) ارتفع، خلال شهر نوفمبر الماضي، على أساس سنوي إلى 19.2% مقارنة ب 6.2 % لنفس الشهر من العام الماضي 2021 .
و يجب على الحكومة اتخاذ الاجراءات والأساليب والسياسات المالية والنقدية لمنع الوصول إلى التضخم المفرط بأي شكل من الأشكال .
رابعا : التضخم المفرض :
أن ظاهرة التضخم المفرط نادرة وترتبط معظم الأمثلة بالدول والمجتمعات التي تعرضت للحروب أو الأزمات المالية الحادة ، فمثلا ألمانيا في العشرينيات من القرن الماضي، وزيمبابوي في عام 2000، وفنزويلا في عام 2010، و بلغاريا في التسعينيات . وفي هذا النوع من التضخم ترتفع الأسعار فعلياً بنسبة تزيد عن 50٪ شهرياً ودخل السكان يتراجع بشكل ملحوظ ، ويؤدي هذا النوع من التضخم الى ان النظام السياسي كله يهتزوهذا ويصاب بحالة من عدم الاتزان والتخبط في اتخاذ القرارات وهذا مالا نتمناه .
وفي الأجزاء القادمة إن شاء الله سنسرد أسباب التضخم والمشاكل التي يسببها وكيفية مواجهته للوصول الى المعدلات الطبيعية ، وللحديث بقية .
ولكم خالص تحياتي وتقديري
د / أشرف عطيه