نحن نعيش في زمن الأزمات فلا نكاد نخرج من أزمة حتى ندخل في أخرى دون أن يكون هناك بصيص أمل لانفراج أي من تلك الأزمات ربما هذا الكلام يلامس الواقع أو يشرح ما يعانيه المواطن من أزمات متلاحقة منذ اكثر من سنوات من الزمن والتي أصبحت تؤثر بشكل مباشر في معيشته فالأزمات تعددت وتشعبت وتنوعت وسط غياب أي حلول لحلها أو سياسات لمعالجتها بما يكفل للمواطن العيش الكريم وسط التحديات والأوضاع التي يعانيها منها المواطنين و استنفدت قدراتهم على مواجهة هذه الأزمات وسط تخبط في إدارة الأزمة أو إيجاد حلول تسهم في التخفيف من حدتها بل أن الواقع ينبئ عكس ذلك تماما من خلال عشوائية التصرف والأداء غير المنضبط والقرارات الارتجالية التي هدفها لمن يقف وراءها إلى تحقيق مكاسب شخصية دون النظر إلى عواقبها الاقتصادية أو ارتداداتها على الاقتصاد الوطني ويعاني من جرائها المواطن الأمرين ويدفع منفردا فاتورة الأزمات المتلاحقة والمصطنعة في كثير من الأحيان إلى ارتفاع مستويات الاستحواذ على مقدرات الدولة وانتشار الفساد وغياب الشفافية والمساءلة والرقابة إضافة لهشاشة وغياب شبه تام للأجهزة الضبطية في مراقبة الأسعار والذي ساهم في معاناة المواطن و في استنزاف ثروات البلاد وإلحاق خسائر فادحة باقتصاده وتتوالى الأزمات على المصريين واحدة تلو بسبب غلاء أسعار
و بسبب جشع وطمع تجار الأزمات ولكن هذه الأزمات تركت آثاراً نفسية سيئة على نفوس المواطنين حتى أصبح اليأس سيد الموقف على كل الأحوال والأصعدة فاليأس والملل والضياع إذا صحت التعابير مشاعر استملكت نفوس المصريين وأصبحوا تائهين في ظلمات الظروف الصعبة التي تكتم الأنفاس والأرواح
فهل نترك اليأس يستملك قلوبنا أم نواجهه بالصلابة والدعاء والتقرب إلى الله فارج الهم
كيف نواجه هذا اليأس المنتشر من حولنا؟ وما هو دور الدعاة في هذا الأمر؟ ان ما نعانيه في هذا الزمان وفي مصر خاصة هو أزمة إنسان وهي أفضح الأزمات وأشدها إيلاماً لأن هذه الأزمة بمعناها الأخلاقي تفجر حقيقة النفوس وما تكنه الضمائر ولو نظرنا إلى ما نعاني من مواجع لنجد ان جوهر الأزمة هو أزمة أخلاق تتجلى اليوم بكل سلبياتها على ما نجده من اخطبوط مجرم يطوق حياة الناس ويحولهم إلى الجحيم وينحط بهم الى إدراك الخسائر العظيمة وهذه المعاناة المتجددة والمتنوعة والتي نجدها في ما نتقلب به من كوارث ومحن تجعلنا نشد النواجذ على ما نحن عليه من قيم أصبحت نادرة في هذا الزمان وهي التي تهيأنا بالقريب العاجل إلى حياة الرشد بإذن الله تعالى عند بزوغ مرحلة جديدة نستأنف بها قوة الحياة وضوابط الخير وتمام التقدم نجد ان ما كنا عليه وما عانيناه هو حياة زائفة فان معاناة الناس في هذه الأيام كشفت عن حالة متردية أخلاقية وغير بريئة نواجهها على كل المستويات سواء على مستوى العامة أو على مستوی خاصة الناس وان حل أزمة السلوك الإنساني وتناقضاته وتغيير معايير نمط الحياة لا بد أن يكون بالعودة إلى الأصالة التي يجب أن نعيشها حتى ننعم بسعادة الحياة وان ما تكشف من نبض الظالم وقهر المستغلين وهو يعج بهذه الأيام بتجاهل متطلبات حياة المواطنين وعدم مواجهة الأخطار المحدقة بالوطن يجعلنا متأكدين بأنهم يتاجرون في صفقة خاسرة وعلي الشعب أن يستوجب التفاني والجهاد الدائم والتضحية حتى نصل إلى شاطئ الأمان ونرد عن الناس غوائل الجوع وجريمة النهب التي مارسها المستغلين طوال عقود على هذا المواطن المسكين حيث تسبب ذلك بفقدان مدخرات الناس وسلبهم لحقوقهم بالكامل دون أي وازع من ضمير وهذا منتهى التخلي عن الواجبات وأقصى منحدرات الأخطاء التي يجب تصحيحها حتى تعاود الحياة حركتها وإغراق المواطن بالأمل والخلاص
و إن ربنا سبحانه وتعالى قال {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه قال «لن يغلب عسر يسرين» وذلك لأن العسر وان تكرر مرتين فقد تكرر بلفظ المعرفة فهو واحد واليسر تكرر بلفظ النكرة فهو يسران فالعسر محفوف بيسرين يسر قبله ويسر بعده فلن يغلب عسر يسرين
ننطلق بهذا المفهوم الذي ذكره العلماء بناء على الآية التي ذكرناها والأثر الذي روي عن الحبيب صلى الله عليه وسلم لكي نخاطب جميع الناس في مصر وخاصة المؤمنين بأن يتكلوا على الله وأن لا ييأسوا من رحمة الله فهذا العسر الذي نعيشه والأزمات التي تعصف بهذا الوطن الحبيب الآن بسبب الغلاء الفاحش فنحن نعلق قلوبنا بالله عز وجل وهنا دور العلماء والدعاة إلى الله بأن يتوجهوا في خطبهم ودروسهم للحديث عن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده فإن الفرج سيأتي بإذن الله تعالى ولكن بشرط أن يرحم الناس بعضهم بعضاً فليس المشكلة فقط في الطبقة الفاسدة ولكن الفساد منتشر بين أبناء الوطن من مختراع الازمات او الضعف الذي يحول القضايا والمشكلات العادية الى ازمات او على الاقل الى مشكلات بجذور راسخة وعميقة قادرة على افشال مؤسسات او بعثرة جهود الدولة او قطع اوصال علاقاتها الداخلية وصناعة الغضب والمشاعر السلبية بينها وبين الناس
فالفساد يصنع الازمات والفاسدون مهما كانوا متقنين للمجاملة والنفاق وارضاء المسؤول الا انهم من اهم الاصناف التي تهدم قواعد المؤسسات والدول ويصنعون باحتراف فقرا مؤسسيا ومجتمعيا في الاماكن التي يعملون بها لكن الى جانبهم ايضا الضعفاء في القدرات والامكانات الوظيفية والقيادية الذين يحملهم الفساد او الهوى او المصالح او شطار التجارة او العلاقات الاجتماعية الى مواقع المسؤولية لكن اكثر صناع الازمات تأثيرا هم المحترفون الذين تسيطر على عقولهم مصالحهم فقط ويعتقدون أن كل شيء مباح لهم لتحقيق مطمعهم فتجار الأزمات الذين يستغلون حاجات الناس لا يرحمون الناس حيث يتحكمون برقاب الناس فلا يقبلون إلا بالدولار ليرفعون من ثراهم وملء جيوبهم وتحويل ارصدتهم بالخارج حيث لا رقيب من الدولة ولا محاسبة وهؤلاء ربما لا يتعرفون على أقربائهم بسبب الجشع والطمع وان ما يقومون به فيه حرمة شرعية ويدخل الحرام إلى أموالهم فيأكلون السحت وقد قال صلى الله عليه وسلم «أيما جسد نبت من سحت فالنار أَولى به»
بالرغم من كل هذه الآلام نقول اثبتوا أيها الناس على الدعاء فالدعاء سلاح المؤمن والدعاء هو العبادة ادعوا الله أن يصرف عنا شرارنا وأن يولي علينا خيارنا
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة} فالدعاء سبب للصبر وليس معنى ذلك أن يسكت الشعب عن المطالبة بحقه من المستغلين للوطن والتجارة بقوت الوطن والمواطن فما يزرع الأمل أن نحسن الظن بالله فهو الذي يسمع عباده ويستجيب لهم والمؤمن المتوكل على الله يأخذ بالأسباب فمن الأسباب لتغيير الواقع أن نقوم بالدعاء وأن نقول للفاسد أنت فاسد وللسارق أنت سارق وأن نغير من أنفسنا بأن نحسن أخلاقنا بترك استغلال حاجات بعضنا البعض وعدم الغش وعدم السرقة فالمؤمن الصدوق هو الذي يشعر بإخوانه فيقوم بالعطف عليهم ورحمتهم ومساعدتهم وهنا تظهر معادن الناس لأن الرحماء يرحمهم الله ورسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم علمنا ان «من أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً» وهذا الزمن الذي نعيشه اليوم تكاثرت فيه الشدائد والناس في هموم كثيرة فرحم الله من كان سبباً في تنفيس هذا الكرب والغم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»