كتب ابراهيم احمد
عُقد اجتماع لفريق من هيئات مكافحة الاحتكار “مكافحة الممارسات الضارة بالمنافسة العابرة للحدود من خلال التعاون الدولي بين أجهزة المنافسة النظيرة” في 28 يوليو على هامش القمة الثانية بين روسيا وأفريقيا، وقد ناقش المشاركون في الحلقة، بمن فيهم رؤساء هيئات مكافحة الاحتكار في البلدان الأفريقية، عددًا من الموضوعات الهامة المتعلقة بتنظيم مكافحة الاحتكار، وشملت القضايا الرئيسية التحدي المتمثل في تنظيم الاحتكارات الرقمية العالمية، ودور مكافحة الاحتكار في ضمان الغذاء العالمي والأمن البشري، والمشاركة العادلة لجميع البلدان في الاقتصاد العالمي والوصول إلى أدوات نقل التكنولوجيا.
وأكد أليكسي إيفانوف، مدير مركز البريكس لقانون وسياسة المنافسة الدولية، في مقدمته أن قانون مكافحة الاحتكار نشأ في الأصل في ظل ظروف عدم الاستقرار، حيث نشأ في أوروبا ما بعد الحرب، وفي روسيا أثناء الانتقال للاقتصاد السوقي، وفي الصين مع بداية سياسة الإصلاح والانفتاح، وفي جنوب إفريقيا بعد سقوط نظام الفصل العنصري وفي البرازيل مع نهاية الديكتاتورية، ولقد ساعد اعتماد قوانين مكافحة الاحتكار النظام الاقتصادي، على الوصول إلى مستوى جديد من التنمية، أما الآن تظهر مسألة دور قانون مكافحة الاحتكار مرة أخرى في ظل عدم الاستقرار العالمي، ولا يمكن مواجهة الاحتكارات العالمية الحديثة إلا من خلال نفس مبادرات مكافحة الاحتكار العالمية، والتي لا يمكن تحقيقها إلا بالنظام المشترك بين الدول، الذي يتم تمثيله حاليًا بواسطة مجموعة “بريكس”+، التي ينجذب إليها أيضًا الأعضاء الجدد من البلدان الأفريقية.
وتم تواصل تطوير مبادرة إنشاء لجنة معنية بالمنافسة ورعاية المستهلك في أفريقيا، وتعتبر هذه المحاولة الثانية للجهات التنظيمية من دول الكوميسا (كينيا ومصر وموريشيوس ونيجيريا وجنوب إفريقيا والمغرب وغامبيا وموريشيوس ونيجيريا وجنوب إفريقيا والمغرب وزامبيا والمفوضية) التي تضم 21 دولة أفريقية أخرى، للموافقة على المضي قدما في إنشاء مجموعة عمل للتعاون، حيث ستركز هذه المجموعة على قطاعات التجارة الإلكترونية، وخدمات التجميع (وكالات السفر والإعلانات المبوبة عبر الإنترنت) ، وخدمات التوفيق (خدمات البحث والمنصات الاجتماعية – جوجل و “ميتا”، بالإضافة إلى خدمات الاتصال الإلكتروني والتسليم مثل أوبر وجلوفو) ، والإعلانات الرقمية (البحث والوسائط الاجتماعية) ، والتكنولوجيا المالية والأمن السيبراني.
وصرح السيد هاردين راتشيسوسو، المفوض بمفوضية المنافسة في جنوب إفريقيا، قائلاً “نعمل حتى الآن بطريقة منسقة لمواءمة قوانين مكافحة الاحتكار من خلال التعاون الثنائي والإقليمي والدولي بين 29 دولة أفريقية، وبينما عادةً يستغرق الأمر عقودًا من التفاوض على الاتفاقيات لاعتماد القوانين وتشكيل المؤسسات التنظيمية للتحكم في المنافسة في السوق، قد تمكنا من تحقيق نتائج مهمة في بضع سنوات فقط، ومن المهم مواصلة تطوير هذا المجال نظراً للطبيعة العالمية للتحديات والحاجة إلى زيادة تعميق التعاون بين السلطات المعنية بالمنافسة”.
كما تمت أيضاً مناقشة صفقة الاندماج بين شركتي “بونجي” و “فيتيرا”، وهما شركتا أعمال زراعيتان عملاقتان تتمتعان بحضور قوي في أسواق البرازيل وجنوب إفريقيا ومصر، حيث قد يؤدي اندماج الشركتين إلى اختلالات في سوق الغذاء الدولي في حالة الموافقة على الصفقة، مثل السيطرة على الخدمات اللوجستية في هذا المجال بسبب قيام هذا اللاعب الجديد، وقد أبرزت هذه القضية أهمية تطوير البنية التحتية لكشف ورصد نشاط الكارتلات العابرة للحدود، الأمر الذي لا يهدد التكاليف الاقتصادية المباشرة فحسب، بل يهدد أيضًا المخاطر الاجتماعية والإنسانية.
وصرح الدكتور محمود ممتاز، رئيس شبكة المنافسة العربية، قائلاً “بونجي وفيتيرا – باير ومونسانتو، نحن نعلم الخطوات التي يجب اتخاذها للنظر في مثل هذه المعاملات التي لا تتعارض مع قوانين مكافحة الاحتكار لمختلف الولايات القضائية، ولكن هناك عقبات معينة في طريقنا للسيطرة على الكارتلات العابرة الحدود، حيث يهدد ظهورها بتعطيل سير العمل الطبيعي للتجارة الدولية بشكل كبير، ولكن يصعب الكشف والتحقيق في قضايا الكارتلات العابرة الحدود، بسبب عدم الاتساق وعدم وجود معايير عالمية بشأن إجراءات مكافحة الفساد، لذا ينبغي أن يكون أحد المبادئ المهمة للسيطرة على الكارتلات العابرة للحدود مبدأ الاختصاص القضائي الخارجي، مما يسمح برفع دعاوى ضد الهيكل التجاري الكامل للشركة المخالفة، وليس فقط ضد الكيانات القانونية في بلد معين، وذلك يتطلب مستوى أعلى من التعاون والثقة بين خدمات مكافحة الاحتكار في الدول”.
وأضاف إيفانوف “يتم تحديد قوة السوق حاليًا من خلال التحكم في البيانات الضخمة، حيث تقوم الشركات بجمع المعلومات ويؤدي ذلك لتأثير الشبكة، ولم يعد الآن بإمكان هيئات مكافحة الاحتكار تجاهل هذه الحقائق، ويجب عليهم تنسيق أعمالهم فيما يتعلق بالاحتكارات الرقمية العالمية، بما في ذلك تطبيق معيار تأثير الشبكة”.
وتتمثل إحدى المشكلات الرئيسية لمراقبة الامتثال لمكافحة الاحتكار، وفقًا للمشاركين في حلقة النقاش، في أدوات التحقيقات في هذا المجال والافتقار إلى التكنولوجيا والتعاون على أساس تبادل البيانات، حيث غالبًا ما تكون هذه البيانات حساسة في صلتها بالمصالح المحلية للدول، وبالتالي لا يمكن إجراء التبادلات بين أعضاء شبكة مكافحة الاحتكار العالمية إلا في وجود عامل الثقة، لذلك فتطوير مبادرات ومنصات مشتركة للاجتماع ومناقشة مثل هذه القضايا وجهاً لوجه يجب أن يضع أسس التغلب على هذه المشكلة.
وكان دعم الأمم المتحدة، في هذه المرحلة، لمبادرات مكافحة الاحتكار الأفريقية والروسية عاملاً مهمًا، حيث ذكرت تيريزا موريرا – رئيسة وحدة المنافسة وسياسات المستهلك، في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن الأونكتاد يدعم المبادرات، على الصعيدين الإقليمي والدول،ي التي يمكن أن تعزز من أدوات الإنفاذ المانعة للمنافسة، كما أشارت بشكل خاص إلى دور روسيا في هذه العملية قائلًة “أُرسيت أسس آليات وأدوات مراقبة الكارتلات عبر الحدود للامتثال لقانون المنافسة الدولي في المادة “واو” من الأونكتاد في الثمانينيات، لكنها ظلت لفترة طويلة مجرد توصية، ولكن في الآونة الأخيرة وبفضل الإجراءات الاستباقية لسلطات مكافحة الاحتكار الروسية ومركز بريكس الدولي، تم إعادة إطلاق هذه المناقشة والعمل على تحويل هذه التوصيات لمجال المعايير الإلزامية”