تعيش إندونسيا مرحلة مخاض عسير، يمثل اختبارًا حذرًا للديمقراطية في البلاد، مع ترقب الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، وسط منافسة محتدمة بين المرشحين المحتملين لخلافة الرئيس الحالي جوكو ويدودو، الذي بدوره أثار موجة غضب عارمة في الأوساط السياسية التي ترى أن الدفع بنجله الأكبر كنائب لمرشح سبعيني محاولة لوضع بذرة لسلاسة سياسية ممتدة لحكم العائلة.
تعديل دستوري لصالح نجل جوكوي
العاصفة التي تواصل هبوبها على الساحل الإندونيسي حاليًا، خلقها اختيار وزير الدفاع الإندونيسي برابوو سوبيانتو الابن الأكبر للرئيس الحالي جوكو ويدودو وهو جبران راكابومينج راكا، ليكون نائبه في السباق الرئاسي، بتوافق ممثلين عن ائتلاف «إندونيسيا الصاعدة»، وهو ما يشير بشكل أكثر وضوحًا إلى تنامي التحالف بين الجنرال السابق والسلطة الحالية في البلاد؛ إذ لا يتيح القانون ترشح جوكو ويدودو لولاية رئاسية ثالثة.
مثار الجدل ليس فقط بسبب تحالف «برابوو-راكا» والمخاوف بشأن امتداد الأسرة الحاكمة، ولكن النقطة الأكثر خطورة في المسار الديمقراطي تتمثل في تحايل دستوري أتاح للشاب جبران راكا أن يكون مؤهلاً لمنصب نائب الرئيس، حين أصدرت المحكمة الدستورية تعديلاً قانونيًا يقضي بأن المواطنين الذين خدموا أو يشغلون حاليًا منصب رؤساء مناطق يمكنهم الترشح لمنصب الرئيس أو نائب الرئيس حتى لو كانوا أقل من 40 عامًا، وهو الحد الأدنى للسن الذي يتطلبه القانون، مما يمهد الطريق لجبران (36 عامًا) لتولي منصب الرئاسة.
وذكرت وسائل الإعلام الإندونيسية والأجنبية أن مقدم الطلب إلى المحكمة هو أحد الموكلين عن «الابن جبران»، بينما أصدر القرار رئيس القضاة أنور عثمان المتزوج من أخت الرئيس جوكوي، (زوج عمة جبران)، وبالتالي يصف منتقدون هذه الحبكة بأنها انتكاسة كبيرة للديمقراطية الإندونيسية، ويجادلون بأن الرئيس يهدف إلى خلق سلالة سياسية.
وعندما فاز جوكو ويدودو برئاسة إندونيسيا في عام 2014، احتفل الليبراليون في البلاد، باعتباره أول شخص من خارج النخبة التقليدية يقود ثالث أكبر ديمقراطية في العالم، حينما وعد جوكوي بنوع جديد من السياسة ودور أقل لعائلات رجال الأعمال والعسكريين الذين راكموا ثروة ونفوذاً هائلين خلال العقود الثلاثة من حكم سوهارتو. وأعلن أن توليه منصب الرئيس «لا يعني نقل السلطة إلى أولاده»، ولكن بعد أقل من عقد من الزمن، تمكن جوكوي من التغلب على الحرس القديم في لعبته الخاصة.
تحالف مثير للريبة
وخسر برابوو سوبيانتو، وهو قائد سابق للقوات الخاصة، السباق الرئاسي 3 مرات متتالية، كان آخرها انتخابات 2019 عندما قاد تحالف المعارضة وفاز بـ 44.5% من أصوات الناخبين (68.65 مليون صوت) مقارنة بفوز الرئيس الحالي جوكو ويدودو بـ 55.5% من الأصوات (85.6 مليونا).
بعدما توصل الجنرال سوبيانتو (72 عاما) إلى توافق نادر مع منافسه الفائز آنذاك (جوكو ويدودو)، الذي عرض عليه المشاركة في حكومته بعدد من الوزارات على رأسها وزارة الدفاع.
وفتح هذا التوافق الباب على شكوك بشأن تحالف مثير للريبة بين المعارضة والسلطة، خاصة أن سوبيانتو يحظى في الانتخابات المقبلة بتأييد واسع من مختلف المكونات، وأنصار الرئيس الحالي وبعض أحزاب التحالف الحاكم.
ويدلل متابعون للشأن العام على الشكوك المتزايدة حول إمكانية وجود صفقة بين الطرفين أو تحالف ذي أهداف أخرى، بمحاولة الرئيس جوكو العام الماضي الدفع في اتجاه تعديل الدستور من أجل السماح له بالترشح لولاية ثالثة أو تأجيل الانتخابات عام أو عامين، لكن احتجاجات شبابية ومعارضة سياسية واسعة أحبطت هذا التوجه.
عائلة جوكوي.. أحدث سلالة سياسية في إندونيسيا
باعتباره أول رئيس إندونيسي في حقبة ما بعد الإصلاح، وليس من المؤسسة السياسية أو العسكرية أو الإسلامية، صعد جوكو ويدودو (جوكوي) إلى الرئاسة في عام 2014 باعتباره علامة فارقة في المسار الديمقراطي، وبعد فترة ولاية واحدة فقط، بات واضحًا أن ويدودو بدأ وضع الأسس لعائلته السياسية.
وعندما اُنتخب جبران راكابومينغ راكا، نجل جوكوي، عمدة لمدينة سوراكارتا في عام 2021، انضم الرئيس الحالي إلى قائمة الرؤساء الآخرين في إندونيسيا، ميجاواتي سوكارنوبوتري وسوسيلو بامبانج يودويونو، كرؤساء للسلالات السياسية، حيث يشغل أولادهم حاليًا مناصب في الحكومات الإقليمية والمركزية، فضلاً عن الأحزاب السياسية الوطنية. وفي يناير 2023، أشار أصغر أبناء جوكوي، كايسانج بانجاريب، وهو رجل أعمال ومالك نادي كرة قدم، إلى أنه يستعد أيضًا لدخول السياسة.
مستقبل الديمقراطية الإندونيسية
ينظر مراقبون إلى صعود سلالة جوكوي، باعتبارها أحد أعراض الثقافة السياسية في إندونيسيا التي أصبحت منفتحة بشكل متزايد على «العائلة» كفئة أخرى من الجهات الفاعلة السياسية إلى جانب الأوليغارشية والأحزاب.
وعندما تتجه إندونيسيا نحو انتخابات فبراير 2024، ستلفت الأنظار إلى تحالف برابوو-راكا، والآثار التي يحملها على ديمقراطية البلاد، وهو ما يعني أن نتيجة الانتخابات ستكون بمثابة اختبار حقيقي لتوجه الرأي العام تجاه سياسات الأسرة الحاكمة والثقة في النظام السياسي.
ويضع المتابعون للشأن العام في إندونيسيا مستقبل هذه الفئة الجديدة في أيدي الإندونيسيين أنفسهم، إما بتجاهل ريبة التحالف، المتهم بالمحسوبية، وتأييده في صناديق الاقتراع، أو رفضها، وبالتالي رفض عائلة جوكوي وهي سلالة سياسية ناشئة ليس لديها أداة حزبية خاصة بها أو جيل خليفة مضمون.
ويهيمن على السباق الرئاسي ثلاثة مرشحين محتملين – وزير الدفاع برابوو سوبيانتو، 72 عامًا، والحاكمين السابقين المشهورين جانجار برانوو وأنيس باسويدان، وكلاهما يبلغ من العمر 54 عامًا.
ومن غير المؤكد ما إذا كان جوكوي سيفوز بمقامرة المحسوبية على الرغم من تصنيف شعبيته الذي لا يزال يتجاوز 70%، حيث تشير بعض استطلاعات الرأي في إندونيسيا إلى تقدم برابوو سوبيانتو، لكن جانجار برانوو، حاكم جاوة الوسطى ومرشح حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي القوي، الذي تخلى عنه جوكوي لاختيار برابوو، لم يتخلف قط عن الركب.
وأظهر استطلاع أجراه معهد المسح الإندونيسي (LSI) في الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر المنقضي أن برابوو، أيًا كان من يقترن به، حصل على 35.8% من الأصوات، يليه جانجار بنسبة 30.9%، وحاكم جاكرتا السابق أنيس باسويدان، بنسبة 19.7%.
وتشير تلك الإحصائيات إلى تقارب واضح في مستوى شعبية المرشحين الثلاثة، وبالتالي فرص الفوز بالرئاسة؛ ما يعني أن ترتيبات وتنسيق بين أطراف ؤاحزاب خلال الأسابيع المقبلة من شأنها أن ترجح كفة أحدهم.
وسيحدد 205 ملايين مواطن في إندونيسيا البالغ عدد سكانها 270 مليونا مستقبل البلاد الغنية بالموارد الاقتصادية في وقت تخطط للتوسع التنموي وتنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستثمار الأجنبي، وكلها بنود تحتاج إلى مناخ ديموقراطي ذات طبيعة استقرارية.