كلما دققتُ النظر فيما يشهده المجتمع الآن من خطط واستراتيجيات تستهدف تحقيق نهضة حقيقية ونقلة نوعية فى شتى مجالات الحياة، أتوقف طويلًا أبحث عن السر الذى يكمُن وراء هذا الكم الهائل من المشروعات التى استطاع أن يحققها الزعيم والقائد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى وقت وجيز، وبأقل إمكانيات وبأضعف تكلفة، وهو ما وجدت تفسيره بوضوح فى تلك القوة الهائلة المعروفة باسم «روح أكتوبر»، هذه الجملة التى طالما رددناها وسمعناها دون أن نتوقف أمامها، فقد آن الأوان لأن نستخلص منها الكثير من المعانى، ونستزيد من فيض ما تمتلكه من قوة هائلة قادرة على صنع المعجزات.
وحينما أقول صنع المعجزات فإننى أعى جيدًا قدرة «روح أكتوبر» على تحقيق الكثير من الإنجازات ما يفوق المعجزات، فها هو الرئيس يفاجئنا يومًا بعد الآخر بهذا الكم الهائل من المشروعات القومية الكبرى فى مجالات متنوعة، وهى فى حقيقة الأمر مشروعات كانت فى أشد الحاجة إلى العديد من السنوات والكثير من الإمكانيات المادية، إلا أن السيد الرئيس استطاع فى فترة وجيزة أن ينتهى منها، وذلك بتوفيق من الله سبحانه وتعالى، وأيضًا بفضل قدرته على استلهام «روح أكتوبر»، تلك «القوة المعنوية» التى منحته القدرة الفائقة على اقتحام الصعاب، فالرئيس، ومن خلال خلفيته العسكرية، لم يهتز يومًا أمام المصاعب والأزمات، ولم يتردد لحظة فى اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية، ولن أكون مبالغًا إن قلت إنها خطوات فى منتهى الخطورة حيث كانت بمثابة مرحلة فارقة فى عمر الوطن.
تحرير مصر من حكم «الإخوان» لا يقل أهمية عن إنهاء الاحتلال
إن ما حققه الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ وقوفه إلى جوار الشعب فى مواجهة تلك العصابة الإجرامية التى كانت تحكم مصر لا يقل أهمية عن القرار الشجاع المتعلق بخوض حرب أكتوبر المجيدة، فإذا كانت حرب أكتوبر قد حررت مصر وانتشلتها من وحْل الهزيمة والذل والعار الذى لحق بنا فى أعقاب هزيمة ٦٧، التى تركت فى النفوس جرحًا غائرًا، فإن ما قام به الرئيس السيسى وعلى وجه الخصوص فى ثورة ٣٠ يونيو قد حرر مصر للمرة الثانية من السقوط فى وحل العيش تحت مظلة جماعة الإخوان الإرهابية، تلك الجماعة التى كانت أشبه بعصابة كادت تقضى بالفعل على مقدرات شعب، وأساءت لوطن كبير فى حجم ومكانة مصر المحروسة.
لذا فإننا أحوج ما نكون الآن إلى استلهام هذه الروح فى مواجهة جميع التحديات التى تحيط بنا على كل المستويات، أمنيًّا وعسكريًّا، وفى مقدمتها بالطبع مواجهة الإرهاب الغاشم الذى يستهدف أمن أمتنا وسلامها، خاصة أنه يعمل عن عمد على تقسيمها وتفتيتها مدعومًا دعمًا غير محدود من الأعداء فى الداخل والخارج على حد سواء، وأيضًا من بعض من كان يفترض أن يكونوا أصدقاء، لكنهم خانوا دينهم وأمتهم وأوطانهم، وباعوا كل ذلك بثمن بخس وعرض زائل، على الرغم من أن الباطل إلى زوال، فقد قال المولى عز شأنه فى كتابه الكريم: «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ».
نعم نحن فى أشد الحاجة الآن إلى استلهام تلك الروح الغالية فى النفوس والقلوب والعقول، روح أكتوبر فى مجال العمل والتنمية، خاصة ونحن نعيش تلك المرحلة شديدة الأهمية، وهو ما يُترجم واقعًا عمليًّا على أرض الواقع متمثلًا فى الإنجازات والمشروعات الكبرى والعملاقة فى مجالى: الكهرباء، والطاقة، وما أُنجز فى مشروعات الطرق والبنية التحتية، والإسكان، وما يجرى الاستكمال والإعداد لافتتاحه فى هذه المجالات، وغيرها من مجالات الصحة، والتعليم، واستصلاح الأراضى والمشروعات الاستثمارية الكبرى والمتوسطة والصغيرة.
والحديث عن روح أكتوبر يدفعنى إلى ضرورة أن نتذكر تلك الحالة التى صنعها نصر أكتوبر العظيم، لأن ذكرى النصر ستبقى خالدة فى ذاكرة الوطن، وهذا النصر العزيز والغالى سنظل نحتفل به جيلًا بعد جيل.. فبهذا النصر العزيز والغالى استطاعت مصر أن تتجاوز آلام النكسة ومرارة الهزيمة، واستطاع المقاتل المصرى الجسور أن يرفع علم مصر عاليًا خفاقًا على أرض سيناء، واستردت مصر بأرواح شهدائها ودماء أبطالها شرف الوطن، ومسحت وصمة الاحتلال الذى دنس الأرض بقذارته ووضاعته.
ورغم توالى السنين وتباعد الزمان إلا أن انتصار أكتوبر المجيد كان وسيظل خالدًا فى القلوب المؤمنة التى صنعته، وفى عقول أبناء الوطن الذين عاشوه وشهدوه، أو شاهدوه لحظة بلحظة فى أكتوبر عام ١٩٧٣، ففى هذا التاريخ شعر المواطن المصرى بزهو وفخر كبيرين، بل تبدلت فى وجدانه مشاعر الانكسار والمرارة لتصل إلى ذروة العزة والفخار. ليس هذا وحسب، بل ارتفعت رءوس المصريين والعرب إلى عنان السماء من فرط الإحساس بالانتصار، خاصة بعد أن ذاق هذا الشعب مرارة الهزيمة التى لحقت بنا فى عام ١٩٦٧.
والحق يقال فإنه لا وجه للمقارنة بين نصر أكتوبر وأى معركة أخرى خاضها الآخرون بعد عام ١٩٧٣، فقد مثّل انتصار أكتوبر نقطة تحول عسكرية وسياسية واستراتيجية، حيث فتحت هذه الحرب الطريق أمام تحقيق السلام الذى لم يكن يتحقق بأى حال من الأحوال دون أن يتم من موقع القوة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شجعت تلك الحرب أطرافًا أخرى على اللحاق بركب السلام، رغم كل العراقيل والألاعيب التى تضعها إسرائيل على مدى عقود أمام قطار السلام حتى لا يتحرك فى كل الاتجاهات.
لذا فإنه يتحتم علينا من خلال هذا النصر العظيم أن نستلهم مبادئ وقيمًا رفيعة يجب أن نطبقها ليس فى سلوكياتنا فقط، بل فى جميع مجالات الحياة.
نحتاج إلى الانضباط والالتزام والتخطيط وجودة الأداء لبناء دولتنا
من هذا المنطلق فإننى أرى ضرورة أن نستلهم روح أكتوبر فى حياتنا بأن ينتشر مبدأ الانضباط والالتزام فى كل شىء، والتخطيط والتنفيذ والأداء، فهذا الأداء الراقى لأبطال قواتنا المسلحة خلال نصر أكتوبر يمثل لنا النموذج والقدوة اللذين يجب أن نحتذى بهما.. بل إن روح الإقدام والفداء والتضحية التى صنعت هذا النصر العظيم يجب أن تكون مصدر إلهام لنا فى شتى المجالات، وللأسف الشديد فإننا اليوم نكاد نفتقد هذه الروح الرائعة.
وعلى المستوى العربى، برز التضامن والتعاضد والتآزر فى أسمى صوره، خاصة عندما سارع العرب للتعاون مع مصر فى ردع العدوان والمساهمة فى صنع النصر، وأيضًا فى قطع إمدادات البترول، ما كان له أشد الأثر فى تحقيق هذا الإنجاز العظيم.
نحن فى أشد الحاجة الآن إلى أن تعود هذه الروح المخلصة الوفية إلى جسد الأمة انطلاقًا من أرض الكنانة، وها هو الرئيس فى ذكرى حرب أكتوبر المجيدة يقدم لشعبه هذه الأيام مجموعة من المشروعات القومية الضخمة، التى يفتتحها فى إطار منظومة عمل شاملة تستهدف تحقيق التنمية والرخاء للمصريين، وأيضًا استعادة المكانة المرموقة لمصر بين دول العالم على المستويين الإقليمى والعالمى، حيث يسابق الرئيس الزمن للحاق بعجلة التنمية بسواعد وطنية مصرية، فقد كانت تكليفاته واضحة للجميع من البداية، وهى أنه لا مجال لإضاعة المزيد من الوقت، فالوقت يمثل العدو الحقيقى الذى يعوق حركة التنمية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس لا يزال يسابق الزمن من أجل تحقيق نقلة نوعية فى المجتمع، ولذلك لم يكن غريبًا أن تمتد سلسلة المشروعات القومية لتشمل شبكة طرق عملاقة ومصانع هنا وهناك، ومدنًا مليونية واعدة، ومشروعات إسكان عالمية من ناحية سرعة الإنجاز والإعجاز، ومعها مشروع طموح لاستصلاح مليون ونصف المليون فدان، استلزم البدء فيه القضاء على ظاهرة وضع اليد على أراضى الدولة.
وتمتد سلسلة المشروعات القومية العملاقة إلى كل ركن من أركان المحروسة لتكون رسالة شكر وعرفان من رجل يعشق هذا الوطن، وينتمى إلى القوات المسلحة صاحبة نصر أكتوبر المجيد، لكل مواطن ومواطنة شاركوا فى هذا النصر العظيم بتضحياتهم ومساندتهم ويستحقون حياة أفضل.
كما حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ توليه الرئاسة على وضع مخطط غير مسبوق لتنفيذ عدد من المشروعات القومية العملاقة، لإعادة بناء البنية التحتية القادرة على جذب رءوس الأموال الخارجية، وتحقيق التنمية المستدامة، فوضع نصب عينيه إنجاز هذه المشروعات فى فترة وجيزة بهدف تجاوز الزمن، لتصبح مصر فى مسار الدول المتقدمة، فمصر أصبحت ماضية فى طريقها نحو استعادة مكانتها اللائقة بها على المستويين العالمى والإقليمى، وبدأت العديد من المشروعات القومية فى جميع المجالات تظهر للنور، ولكن نتائج هذه المشروعات تحتاج إلى بعض الوقت لتظهر على أرض الواقع، وحتى يستطيع المواطن أن يشعر بثمارها، وتتمكن القيادة السياسية من بناء الدولة التى تستعيد بها مصر ريادتها فى المنطقة وتاريخها كأول دولة مركزية فى التاريخ وصاحبة أقدم حضارة عرفتها الإنسانية.
ولاستكمال هذا الهدف الأسمى، الذى تتضافر جهود الشعب والجيش لتحقيقه، لا بد من أن تتوحد طموحات الجميع فى استلهام روح أكتوبر التى صنعت أكبر انتصار فى تاريخ العسكرية المصرية، باعتراف خبراء العسكرية فى العالم، لأن استرجاع هذه الروح بكل مقوماتها هو الذى يصنع دولتنا التى يتمناها كل مواطن على أرض المعمورة.
والذين عايشوا هذا النصر العظيم يتذكرون، ولا يغيب عن بالهم، كيف كانت تعيش مصر أزهى فترات حياتها، وكيف كانت إرادة المصريين العالية والمصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار، وكان الهدف واحدًا هو تحقيق النصر واسترداد الكرامة العربية وغسل عار هزيمة ٦٧، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وكان كل مواطن لا هَم له سوى مصلحة الوطن ونصرة جيشه العظيم، وبناء على ذلك يكون من واجبنا جميعًا الآن استلهام روح أكتوبر ونحن نسعى لبناء دولتنا المنشودة، نستعيد بها الأمن والاستقرار والرفاهية.
وبينما أكتب الآن عن ذكرى انتصار أكتوبر ينبغى علينا أن نستعيد فى ذاكرتنا معركة تحرير التراب المصرى، التى كانت وستظل درسًا مشرفًا يُدرس فى أكاديميات العلوم العسكرية بخططه وتجهيزاته، وما ترتب عليه من تغييرات فى المنطقة، فهناك دروس عظيمة مستفادة من هذا النصر العظيم، أهمها الإرادة السياسية فى تحقيق الأهداف، حيث كانت قدرة الجيش المصرى بعد هزيمة ١٩٦٧ تكاد تكون معدومة، لكن القرار السياسى للرئيس عبدالناصر كان بإعادة بناء الجيش المصرى، وقد قام بإجراء تغييرات فى القيادات وهو ما كان يعتبر أهم خطوة بدأ بها الإعداد لنصر أكتوبر المجيد، وجاءت خطط الجيش وإنجازاته العسكرية فيما عرف بمرحلة حرب الاستنزاف، والتى كانت بروفة مهمة لحرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣ والعاشر من رمضان عام ١٣٩٣هـ، حيث تكبد خلالها العدو الإسرائيلى خسائر فادحة، وكانت فترة كافية لإعادة بناء قدرات الجيش المصرى أخذًا بأساليب وطرق التخطيط الحديث فى العلوم العسكرية، فكانت المناورة والتغطية المخابراتية الناجحة التى جعلت العدو يتغافل عن استعداد الجيش المصرى للحرب، إضافة إلى التدريبات الشاقة لجميع الأسلحة والتخصصات قبل المعركة.
واللافت للنظر أن أجنحة وأسلحة الجيش المصرى عملت بشكل متناغم فى سيمفونية عزف جماعى، عبرت عن روح الجندى المصرى وصلابته وعزمه، ورغبته فى تحقيق النصر بعون الله وتوفيقه، فيما كان اختيار قرار الحرب كان له أثر عظيم على نفوس الجنود، فإذا تحقق النصر فهو فى شهر مبارك الثواب فيه مضاعف، وإذا كانت الشهادة فهى الفوز بالجنة، ما جعل الجنود لا يهابون الموت فى سبيل تحرير تراب مصر الغالى.
واللافت للنظر أن كل يوم يمر علينا فى الوقت الحالى تؤكد فيه القوات المسلحة أن روح أكتوبر هى صلب العقيدة العسكرية المصرية، لا يمكن أن تنفصل عنها، لأنها بالفعل مفتاح نصر أى معركة، فلا يمكن لجيش يمتلك أعتى الأسلحة والمعدات وعلى الجانب الآخر لا يمتلك روحًا معنوية أن ينتصر، فبالطبع سيخسر معركته، وما يحدث فى سيناء حاليًا خير دليل على الروح المعنوية العالية التى تتميز بها عناصر القوات المسلحة المصرية فى جميع النقاط، وتنفيذ العديد من البطولات التى ستذكرها العسكرية المصرية، وستقوم بتدريسها فى المعاهد العسكرية، ولكن الحقيقة تتجسد فى روح أكتوبر والعزيمة والقوة والصبر والمثابرة وعدم ترك السلاح إلا فى حالة الاستشهاد.
تحية نابعة من القلب لكل من صنع روح أكتوبر ولكل من استلهم هذه الروح من أجل مستقبل هذا الوطن.