بقلم / الدكتور أشرف عطيه رئيس مجلس إدارة شركة أوميجا سوفت
الاقتصاد هو عصب الحياة للفرد والمجتمع وكان للإسلام دور كبير في توضيح آليات المعاملات التجارية والانسانية والتي أرست مباديء العدل والمساواة بين الناس . فالاقتصاد الاسلامي يمثل مجموعة القواعد المتكاملة التي إرتكزت على الشريعة الاسلامية لتنظيم الشئون الاقتصادية للمجتمع.
ومن هذا المنطلق يمكن أن نعرف علم الاقتصاد على أنه دراسة السلوك الانساني وكيفية إستخدام الموارد المتاحة لإشباع حاجته والحفاظ عليها وتنميتها للأجيال القادمة .
ومنذ بداية التاريخ كان الاقتصاد بشكله البدائي يمثل محور حياة البشر أخذا في التطور والذي أفرز لنا مجموعة من المدراس والمذاهب الاقتصادية والتي أنتجت كل منها بعض النظريات الفلسفية وآليات التطبيق .
فعلى سبيل المثال كان المذهب الرأسمالي يعبر عن القواعد والأصول التي تحكم الاقتصاد وفقا للفلسفة والعادات والتقاليد التي تتناسب مع الغرب ، وكان المذهب الشيوعي والاشتراكي يعبر عن إقتصاديات الكتلة الشيوعية .
والجدير بالذكر أنه بعد الانهيار الاقتصادي الذي حدث خلال الازمة المالية لعام 2008م ظهرت أصوات ودعوات تطالب بالتعرف على الأسس والمباديء للإقتصاد الاسلامي من أجل الإستفادة والاسترشاد بها لوقف جنون الرأسمالية ، وفي عام 2015م إنعقدت ندوة بصندوق النقد الدولي للحوار عن مستقبل التمويل الاسلامي والذي تخطى 15% من اجمالي التمويل العالمي .
وكان التساؤل هل بالفعل توجد رؤية ومنهجية إقتصادية إسلامية ؟ وما هي محدداتها ؟ وهل تصلح بديلا عن الأنظمة الاقتصادية المعاصرة ؟
ومن هنا نجد أن الاسلام له نظريته الخاصة عن مفاهيم المشاكل الاقتصادية ومباديء الحرية والمصالح الخاصة والتي تعتمد على المساواة والعدالة وتحكيم القانون على الجميع وعدم التمييز بين أفراد المجتمع . كما أن له بعض القيود والأطر للأنشطة الاقتصادية في الانتاج والاستهلاك والتمويل والتي تعتبر أركان وركائز الاقتصاد ، كما أن الزكاة بكل فروعها والتي تمثل منهج اقتصادي تميز به الاسلام من حيث المصادر والمصارف والتي جعلت من المجتمع وحدة واحدة ونسيج متكامل يشد بعضه بعضا لتظهر لنا نظرية اقتصادية اسلامية مكتملة الأركان تصلح لأن تكون بديلا أكثر تأثيرا وفائدة من استيراد النظريات الأخرى .
فالمشاكل الاقتصادية نشأت بسبب الصراع بين السلوك الانساني والموارد وجاء الفقه الاسلامي بتناول الوجهين معا فهو لايلقي اللوم على ندرة الموارد بقدر مايلقى اللوم على السلوك البشري الاقتصادي الغير رشيد في استنزاف الموارد . ويرى الاقتصاد الاسلامي أن الموارد تمتاز بالوفرة النسبية وليس بالندرة النسبية وهذا مايوافق إقتصاد المعرفة الذي يدور حول الوفرة وكيفية استغلالها .
كما أن الانتاج والاستهلاك يمثل عصب الحياة الاقتصادية ولا نتصور أبدا إقتصاد بدونهما فهما الوجه الآخر للعرض والطلب ، فالإنتاج في الاقتصاد الاسلامي يمثل المظلة التي تشمل كل الانشطة التي تتم للحصول على المنافع أو زيادتها وتنميتها سواء كانت منتجات مادية او معنوية ملموسة أو غير ملموسة ، ولكن تظهر القيود الاسلامية لعملية الانتاج فمثلا لايستوي انتاج الخمر مع انتاج الأغذية التي لم يحرمها الاسلام .
أما الطرف الآخر من المعادلة الاقتصادية وهو الاستهلاك الذي يحقق الاشباع لحاجة ما دون النظر الى القيم التي تحكم عملية الاشباع فالمعيار في النظريات الاقتصادية الأخرى تعتمد على السلوك الفردي بينما نجد النظرية الاسلامية تعتمد على مبدأ الرشد الاقتصادي كما وكيفا وتشجيع الاعتدال في السلوك فتمثل الوسطية بين البخل والاسراف ، كما تحرم السلع والخدمات الضارة للإنسان والمجتمع وبذلك فالنظرية الاسلامية للإقتصاد لاتقتصر فقط على المنفعة الاستهلاكية فقط بل تهتم بالبعد الاجتماعي لما له من أثر إيجابي على سعادة ورفاهية الفرد والمجتمع .
كما أن الاقتصاد الاسلامي يحث على تجنب أثار الانتاج والاستهلاك معا على البيئة ، لذا نجد أن القرآن الكريم ينادي بعمارة الأرض في كثير من الآيات الكريمة لتكون أهم المقاصد والغايات التي خلق الله البشر من أجلها وكان الرسل صلوات الله وسلام عليهم يعلمون الناس ويصرحون لهم بذلك بكل وضوح وظهر ذلك في الاية الكريمة ( وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب ) “سورة هود الآية 61 . صدق الله العظيم
وتكرار عمارة الارض بالقرأن الكريم في أكثر من أية انما يدل على شمولية الغاية والأهداف عن مصطلح الانتاج ، فالعمارة هي التنمية المستدامة التي ينادي بها العالم الآن وقد سبقهم القرآن بذلك . وللحديث بقية .
خالص تحياتي وتقديري
د/ أشرف عطيه