B الدكتور أشرف عطيه.. يكتب / مفاهيم الوطن والدولة والنظام الحاكم – جريدة الوطن العربي
الرئيسية » مقالات » الدكتور أشرف عطيه.. يكتب / مفاهيم الوطن والدولة والنظام الحاكم
https://cairoict.com/trade-visitor-registration/

الدكتور أشرف عطيه.. يكتب / مفاهيم الوطن والدولة والنظام الحاكم

بقلم / الدكتور أشرف عطيه رئيس مجلس إدارة مجموعة اوميجا جيت

كثيرا مايتردد مفردات لبعض المسميات والتي تختلط فيها المعاني والفهم الدقيق لتلك المفردات وخاصة عندما تستخدم هذه المفردات سياسيا أو اقتصاديا ، فالناس يستعملونها في اتجاهات مختلفة ولأغراض وأهداف متباينة ، وذلك حسب السياق والمواقف والمصالح وموازين القوى والعوامل المتحكمة في الفاعلين الرئيسيين في الساحة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية ، وهذا الخلط لا يعني تغير تلك المفردات والمفاهيم أو التباسها في حد ذاتها، بل يعني أساسا أن القاموس السياسي يتأثر بسياق تلك المفردات المختلفة ، مما يؤدي بالناس إلى خلط الكلمات بعضها ببعض في المعنى الدقيق والهدف المراد .
لذا فقد طرحت هذا الموضوع لتوضيح مفهوم الوطن أولا ثم نتطرق ونسرد مفاهيم الدولة ثم النظام الحاكم . فالوطن يرمز أولا الى الأرض الأرض التي يولد بها الإنسان ويكبر ويشعر فوقها بالانتماء إلى الجغرافيا، إلا أنه يتجسد في ذهن الإنسان من خلال مجموع مشاعر التعلق بالأرض التي تعتبر إرثا تركه الأجداد للأحفاد، الذين عليهم الحفاظ عليه والدفاع عنه إن اقتضى الأمر، ولهذا يرتبط الوطن بمعنى التضحية والفداء، ما يفسر تكريم ذكر المقاومين والفدائيين والوطنيين والشهداء ، وهو طابعا وجدانيا يغلب عليه الجانب العاطفي في كل بلد ورموزا لهذه المشاعر الوجدانية الدالة على معنى الوطن. ومفهوم الوطن يغشى بهالة من المهابة والتعظيم والتقديس تجعل المواطنين يعبرون عن مشاعر الحب والتعلق بالأرض، ويظهر ذلك في كلمات المفكرين والآدباء وبعض الممارسات والأنشطة الفنية الراقية والتي يتم تقديمها في إبداع لهذا الغرض من شعر حماسي وطني وأناشيد وطنية ولوحات فنية ، ويتم الاستعانة بتلك الابداعات خاصة في الأحداث التي تتعرض فيها البلدان لتهديدات خارجية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، وذلك من أجل التعبئة وحشد الرأي العام والموطنيين.
والمشاعر الوطنية هي وقود الشعوب باعتبارها المحفز الوجداني للفرد والمجتمع من أجل خدمة الصالح العام ، حيث يتجاوز الأنانية الفردية من أجل التفكير في الكل ، أي في السياق والكيان الوطني ، غير أن الشرط الضروري لتحقيق هذه المشاعر هو أن يطمئن الفرد والمجتمع إلى أن عمله وحصيلة جهوده تذهب للصالح العام وليست لفئة معينة أو طبقة أو حزب أو حيز أو عائلة، وفي غياب هذا الشرط يضعف الشعور الوطني ويطهر الفتور واللامبالاة من جراء الأنانية الفردية والمصلحة الشخصية أو الفئوية أو الطبقية .
أما الدولة فهي مفهوم إجرائي ، و يتجسد من خلال المؤسسات التشريعية والتنفيذية والرقابية التي تقام على أرض الوطن ، من أجل تنظيم وتدبير وتسيير وإدارة شؤون البلاد ، ورعاية مصالح “الشعب” والذي يقيم على ذلك التراب الوطني ، اعتمادا على دستور وقوانين وسلطات محددة تستخدم لتسهيل تلك المهام ، وهو ما يجعل العوامل الثلاثة : الأرض و الشعب والحكومة (المؤسسات)، مجسدة لمعنى الدولة.
وإذا كان مفهوم الوطن يضفي عليه طابعا وجدانيا وعاطفيا كما أسلفنا، فإن مفهوم الدولة يتسم بالطابع القانوني والإداري والسياسي ، وتتمثل العلاقة بينهما في أن الوطن يسمح باستمرار الدولة ودوام قوتها، وعندما تضعف المشاعر الوطنية التي تشكل نسيجا متسقا صلدا ولحاما بين الناس يؤدي ذلك إلى انفراط عقد الدولة وضعفها بتراجع شرعيتها وظهور النزعات المختلفة وفقا لأهداف ليست في صالح الوطن والمواطنين .
ويخلط الناس بين الدولة والسلطة والنظام الحاكم وذلك لوجود علاقة دقيقة بينهما، لذا فمن المهم ومما يستوجب توضيح وبيان ذلك، فلكي تعمل الدولة على تدبير وتنظيم وإدارة شؤون البلاد والشعب أو مجموعة بشرية مقيمة على الأرض بحدود معينة ، فلا بد من سلطات من أجل تسيير تلك المؤسسات وإنفاذ الدستور والقانون ومصالح ورعاية الشعب على ذلك عمليا، وهذه السلطة دائما تكون مصدرها الشعب والذي يمنحها للمؤسسات وليس للأفراد والتي عليها تطبيق القوانين المعمول بها ، ولتطبيق القوانين لا بد من سلطة إلزامية تجعل المجتمع يخضع ويقبل بتنفيذ تلك القوانين واحترامها من الجميع صغيرهم وكبيرهم ورجالهم ونسائهم لا تفضيل لأحد على أحد أو فئة على الشعب أي كان صفة هذه الفئة أو المؤسسة ومهما كان سمو عملها ، لذا ظهرت السلطة التشريعية التي تضع القوانين ، كما تتميز السلطة القضائية التي تصدر الأحكام والعقوبات وتتولى الحكم بين الناس وبين المؤسسات ، و كذلك الحكومة باعتبارها سلطة تنفيذية والقائمين على إدارة تلك الحكومة .
وتستمد السلطة شرعية عملها من النظام العام الذي تعتمده الدولة، وأفضل الأنظمة هو النظام الديمقراطي الذي يقوم على سيادة الشعب وسمو وسيادة القانون ، كما يمنع من الغلو في السلطة وتجاوزاتها والخلط بين السلطات التشريعية والتنفيذية والرقابية والقضائية .
وتتضح هذه المفاهيم عمليا عندما نطبقها على مصر ، فالوطن يعني “مصر” والتي ندافع عنها في مواجهة أي تدخل أجنبي كالاستعمار أو الإرهاب او حتى المؤامرات الداخلية والخارجية ، كما يتجسد في المشاعرالوطنية التي تجعل المصريين يتحمسون للفريق الوطني لكرة القدم ضد فريق دولة أخرى، وهو ما يجعل العلم الوطني والنشيد الوطني يلعبان دورا محوريا في إشتعال حماس الجمهور.
أما الفارق بين الدولة والسلطة فهذا ما سيتم توضيحه في الجزء الثاني وللحديث بقية .

خالص تحياتي وتقديري
د/ أشرف عطيه

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إبراهيم أحمد.. يكتب / دموع اشتياق لبيت الله الحرام

  كلما اقترب موسم الحج من كل عام تنازعت رجفة القلب ودموع العين شوقا لزيارة ...